استقبلهم الضابط السوري المسؤول عن سجن تدمر تهديداً ووعيداً بالقول: "أيها.. (شاتماً المعتقلين).. حللتم اهلاً وسهلاً ونزلتم في مثواكم الاخير، هنا لا ينتظركم من شيء سوى الموت البطيء كالكلاب والبهائم، هنا جهنم الحمراء التي حدثتكم عنها الاديان والرسالات. لا رحمة هنا ترجونها ولا رأفة، هنا تدمر ولا رب هنا".
لقد سنحت لي الظروف أن أشاهد المقابلة التي أجرتها الاعلامية بولا يعقوبيان على شاشة المستقبل منذ حوالي شهرين مع المناضل الأستاذ علي أبو دهن، رئيس "لجنة المعتقلين السياسيين اللبنانيين المحررين من السجون السورية" حيث كان يتكلم عن رفاقه اللبنانيين والسوريين في سجن تدمر ومن ثم عن فترة اعتقاله في سجن صيدنايا بعد إلقاء القبض عليه من قبل السلطات السورية في 28 كانون الأول 1987 وزجّه في سجون التعذيب السورية لـ13 عاما حيث تعرّض لأقسى أساليب التعذيب لغاية الإفراج عنه في 15 كانون الأول 2000.
تمكنت من الحصول على كتابه بعنوان "العائد من جهنم – ذكريات من تدمر وأخواته" الذي أرسله لي بكل محبة من لبنان، ويعتبر بمثابة وثيقة شهادة شخصية عن أتون دهاليز القهر السورية لسحق الانسان وإنسانيته لا لشيء الا هوس هذا الطاغي السوري الحاكم لإلغاء كل رأي مخالف أو أي توجه حرّ.
معاناة الكاتب بدأت في السويداء مع كابوس "فرع التحقيق" الذي سماه أبو دهن "فرع المسلخ"، حيث اجبر على توقيع اعترافات تحت التعذيب الشديد وبتأثير "الكرسي الالماني" والصعق بالكهرباء. ومنه نقلته السلطات السورية الى "فرع فلسطين" ثم الى "فرع التحقيق العسكري" لينقل بعدها الى تدمر حيث يصف ما جرى له هناك مطولاً.
يصف ابو دهن الزنزانة التي اعتقل فيها وفيها آثار للرصاص والدماء و"المهجع" ذاته كان ساحة مجزرة بحق "الاخوان المسلمين" في سوريا عام 1980.
بادئ من بدء يتكلم ابو دهن عن وسائل التعذيب التي يتبعها النظام السوري ابتداء من "الكرسي الألماني" أي الكرسي المعدني الذي له أجزاء قابلة للحركة يشد عليها وثاق الضحية من اليدين والقدمين يتجه مسند الكرسي الخلفي الى الوراء فيسبب توسعاً كبيراً في العمود الفقري وضغطاً مؤلماً على عنق الضحية وأطرافها إضافة الى "الشبح" بربط المعتقل من يديه الى ظهره، وهو واقف على كرسي، ومن ثم سحب الكرسي من تحته ليظل واقفا علر رأس إصبعه الكبير، الوسيلة الأخرى المسماة "الدولاب" والتي اختبرها الكثير من المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية أي ربط اليدين بالرجلين بحيث يصبح المعذّب مثل دولاب سيارة لتبدأ عملية الضرب المبرح على مختلف أعضاء الجسم.
ومما روى أبو دهن من قصص مؤثرة أثرت عليّ بالصميم، قصة الأخوين أمين ومأمون وكانا متهمين برمي قنبلة يدوية على دورية للجيش السوري فأراد الضابط السوري المسؤول عن السجن معرفة المسؤول الرئيسي عن إلقاء القنبلة مهدداً بشنق الإثنين معا في حال عدم الإعتراف، فتبنى أحدهما العملية طوعاً بعد أن توجه الى أخيه قائلا: يا أخي عندك طفلة بحاجة إليك.. وهكذا شُنق الأخ لإنقاذ حياة أخيه صاحب الطفل.. كما أثر علي كثيرا الموت المفجع للمعتقل اللبناني حسن هوشر، ولم يستطع سجين آخر تطوع بخدمته وهو معتقل كان عاملاً في "الصليب الأحمر اللبناني" ولم يستطع إنقاذ حياة هوشر المصاب بالتسمم، فبكى الجميع عليه وهو ينازع الموت.
يقول أبو دهن أنه تعرّف الى العديد من القادة اللبنانيين العاملين في "البعث العراقي"، تم اعتقالهم ولم يطلق سراحهم من السجن الا بعد توقيع كتاب تعهد بالتوقف عن العمل الحزبي والعمل لمصلحة السلطات السورية كمخبرين.
كل هذا غيض من فيض مما تحمّله هذا الشخص مثله مثل العديد من معتقلي هذا النظام الظالم. باختصار، "عائد من جهنم" كتاب توثيقي شيّق ومهم على كل لبناني سيادي قراءته على أمل أن تستعمل محتوى هذا الكتاب كأحد الوثائق المهمة لتزويد المنظمات الدولية والأمم المتحدة واللجان المختصة لحقوق الإنسان لفضح ارتكابات "الشقيق الأكبر" وعزاء لكل الآباء والامهات الذين فقدوا أبناءهم نتيجة ممارسات هذا النظام بحق لبنان واللبنانيين وبحق أبناء الشعب السوري.
منبر "ليبانون تايم" – حليم كرم – مونتريال – 18\4\2014
إرسال تعليق