رأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رتبة سجدة الصليب على مذبح الباحة الخارجية للصرح "كابيلا القيامة"، بمشاركة البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير ولفيف من المطارنة والكهنة، في حضور النائب نبيل نقولا، قاضي التحقيق في جبل لبنان جوزف صفير، رئيس مؤسسة البطريرك صفيرالدكتور الياس صفير، الرئيس السابق للرابطة المارونية الدكتور جوزف طربيه، رئيس مؤسسة "مواطنين جدد" الدكتور انطوان صفير وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
العظة
وألقى الراعي عظة بعنوان "طعن وعوقب بسبب آثامنا وبجرحه شفينا"، قال فيها:"انجيل آلام المسيح الإله، فادينا وموته كما رواها الانجيليون الاربعة، يدعونا للتأمل في عظم محبة الله الظاهرة في يسوع المسيح، وهي محبة افتدتنا وكفرت عن خطايانا، وأفاضت على العالم غفران الله ورحمته. محبة تدعونا لنبادل الله محبة بمحبة، فنكون في مجتمعاتنا التي يسودها البغض والعداوة، شعب المحبة والرحمة، ننشر ثقافة الغفران والمصالحة في عالم الإساءات والنزاعات".
أضاف: "اننا نذكر بصلاتنا، أمام آلام المسيح المحيية وموته الفادي، جميع المرضى والمتألمين بكل أنواع الآلام الجسدية والمعنوية والروحية، أكان من جراء مرض او حرب او ظلم او عنف او إرهاب، أكانوا في حالة تهجير ام تشريد ام خطف ام احتجاز، ام في حالة خوف او اضطراب او يأس، سواء كانوا فقراء او مدمنين او معتدى عليهم. ان صراخ آلامهم يمس قلب الله. نلتمس من المسيح الفادي الذي حمل صليب الخطيئة والشر، ان يساعدهم على حمل صليبهم، وعلى إدراك قيمته الخلاصية المستمدة من آلامه، وان يعزي قلوبهم بنعمته، ويرسل اليهم من يحمل لهم محبته ورحمته. ونسأله ان يخفف من آلامهم، ويضع حدا لأسبابها، فهو قادر على كل شيء، إياه نمجد، وله نسجد في كل حين وحال".
وتابع: "اننا نصغي الآن لما يعلمنا هذا المعلم الإلهي من على عرش صليبه، بكلماته السبع التي ضمنها جوهر وخلاصة كل تعليمه:
في الاولى، الإلتجاء الى الله بروح البنوة والثقة بعنايته عند الضيق ومرارة الوحدة، وعندما تفشل كل المحاولات البشرية. لقد علمنا يسوع المرفوع بين أرض وسماء، والمترك بين أيدي الجناة، ان نرفع، في ضيقنا، صرخة البنين الى الآب السماوي:"إلهي، ألهي لماذا تركتني؟" وهي صلاة المزمور 22 الموضوعة على لسان كل متألم ومظلوم.
في الكلمة الثانية، (يعلمنا) ثقافة الغفران الذي يبرر أخطاء البشر بسبب جهلهم، ثقافة تربي العقول والضمائر على الحقيقة التي تنير جميع الناس وتخرجهم من ظلمة الجهل والحقد والاعتداء. من أجل الصالبين والشتامين والهازئين، صلى يسوع:" يا أبت إغفر لهم، لانهم لا يدرون ما يفعلون".
في الثالثة، الفرح في مغفرة الإساءة لكل نادم، والمصالحة الصادرة من القلوب الكبيرة. لا تكفي ثقافة الغفران اذا انحصرت في دائرة العقل والمعرفة، بل يجب ان تطبق أفعالا ومبادرات. عندما ندم على جرائمه اللص المصلوب عن يمين يسوع، والتمس الغفران، أجابه الرب:"الحق أقول لك، انك تكون معي اليوم في الفردوس".
في الرابعة، ولادة الحياة من الحب المضحي. من حب الزوجين يولد كائن بشري. من حب الله ومريم العذراء ولد كلمة.الله انسانا. من ذروة حب المسيح على الصليب وحب امه مريم شريكة الفداء، ولدت البشرية الجديدة المتمثلة بالكنيسة، وكانت أمومة مريم لكل انسان، عندما أعلن يسوع هذه الحقيقة قائلا لأمه:"يا امرأة (يا أم الحياة) هذا ابنك! ويا يوحنا، هذه أمك". وتجلت الحقيقة نفسها برمزي الماء والدم اللذين سالا من صدر يسوع المطعون بالحربة، فالماء رمز المعمودية التي من أحضائها تولد الولادة الثانية بالروح القدس، والدم رمز القربان الذي منه نغتذي.
في الخامسة، (يعلمنا) العطش الى الخير عند الشر، والى العدالة عند الظلم، والى المحبة عند البغض، والى نعمة الغفران عند الخطيئة. هذا العطش تشوق اليه يسوع، عندما قال:" أنا عطشان". فزادوا على مرارته خلا أدنوها من فمه، فتمت نبوءة المزمور.
في السادسة، ان الحياة عطية من الله، نردها اليه عند ساعة الموت. فينبغي المحافظة على بناء حياتنا وتتميم ارادة الله وتصميمه عليها، لكي نردها اليه مع ثمارها. ففي مساء كل يوم، وبخاصة في مساء الحياة، نصلي مع الرب يسوع: "يا أبت بين يديك أستودع روحي".
في السابعة، ان النظرة الى ماضي حياتنا ضرورية لكي نكون في راحة الضمير، الذي هو صوت رضى الله في قلوبنا. مدعوون الى كل مساء، قبل ان نخلد الى النوم، لان نلقي نظرة تقييمية، في ضوء كلام الله، على أقوالنا وأفعالنا وتصرفاتنا ومواقفنا في النهار الذي انقضى، وفقا للقاعدة الخلقية التي تميز بين الخير والشر، بين العدالة والظلم، بين المحبة والبغض، بين الحقيقة والكذب. اذا تمرسنا على هذه الوقفة التقييمية، استطعنا ان نقول مع الرب يسوع عند ساعة الموت: "لقد تم كل شيء على انه وفقا لإرادة الله والواجب".
وختم الراعي: "ايها الرب يسوع، إنا نسجد لآلامك، ونشكرك عليها وعلى تعليمك، ونمجدك ونتبارك بنعمة موتك لفدائنا، ضم الى آلامك المقدسة كل آلامنا، وآلام البشر أجمعين. لقد ضممت الجميع الى قلبك ببسط يديك المقدستين على الصليب، وسع الدنيا. أطلقنا في لبنان وهذا الشرق شهودا لمحبتك ورحمتك، حاملين كل يوم، في عقلنا وقلبنا، تعليمك الأخير، من على صليبك، وساعين الى نشره ثقافة وحضارة حياة. بهذا الالتزام، نسجد لك ايها المسيح ونباركك، لانك بصليبك المقدس خلصت العالم،آمين".
مسيرة درب الصليب
ومساء، ترأس الراعي مسيرة درب الصليب في الصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة بعنوان "نسجد لك أيها المسيح ونباركك، لأنك بصليبك المقدس خلصت العالم"، قال فيها: "في ختام درب الصليب التي شاركنا فيها بكل تقوى، ونظمها مكتب راعوية الشبيبة في الدائرة البطريركية بقيادة الخوري توفيق بو هدير، نسجد بانسحاق القلب لصليب المسيح الفادي الذي به خلصنا وخلص العالم. ننظر إليه بروح التوبة والندامة عن كل إساءة جددنا بها آلامه وصلبناه من جديد، على ما يقول بولس الرسول: "إن الذين استناروا، إذا عادوا إلى الخطيئة، صلبوا من جديد رب المجد"(1كور2: 8 ). ومع هذا ننظر إليه تائبين كما قال الكتاب: "سينظرون إلى الذي طعنوه"(يو19: 37)".
أضاف: "في مسيرة درب الصليب، عبر مراحلها الأربع عشرة، تأملنا وصلينا واتخذنا مقاصد، مستنيرين بالتأملات التي وضعتها شبيبتنا، كما تعلمون، السنة الماضية، بطلب من قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، وقادت مسيرة درب الصليب في روما، في Colisée، مع قداسة البابا فرنسيس. نوجز أمثولتها، لكي تظل محفوظة في ذاكرتنا".
وتابع: "يسوع ابن الله المتجسد يحكم عليه بالموت وهو بريء، من سلطة سياسية جبانة، متمثلة بشخص بيلاطس. خاف على كرسيه فأرضى الشعب الحاقد الذي حركه أصحاب النفوذ الحاسدون، وأمر بصلب يسوع. لكن ربنا تقبل بحب خلاصي أن يموت فدا عن الجميع، مكفرا عن خطاياهم، لكي يبعث في العالم حياة جديدة، وثقافة المحبة والرحمة والغفران. فكان صلبه انتصاره على الخطيئة والشر، وأصبح صليبه علامة الرجاء. هذا الصليب هو قوتنا في معركة الحياة".
وقال: "وقع يسوع تحت صليبه ثلاث مرات، للدلالة على ثقل خطايا البشر على قلبه المحب والغفور، وعلى شدة آلامه، وعلى انحناءته الرحومة علينا لكي ينهضنا من حالة بؤسنا الروحي والمعنوي والحسي، كما تنبأ عنه آشعيا: "طعن بسبب معاصينا، وسحق بسبب آثامنا، نزل به العقاب من أجل سلامنا، وبجرحه شفينا" (أش53: 5). بقوة صليب المسيح ورحمة الله اللامتناهية، نستطيع أن ننهض من سقطاتنا، وننعم بفرح القيامة، قيامة القلب لحياة جديدة".
أضاف: "تعاطف مع يسوع، المتروك بين أيدي الحساد والحاقدين والجهلة والرعاع، أشخاص خففوا من آلامه الحسية والنفسية وهم:
- أمه مريم، شريكة الفداء بحسب نبوءة سمعان الشيخ. إنه وجه الأم الذي يخفف من آلام كل إنسان، بحضورها وكلمتها وخدمتها ولمسة يدها.
- سمعان القيرواني، الذي ساعد يسوع على حمل صليبه، يمثل وجه كل إنسان يتعاطف مع الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين، ويمد له يد المساعدة، أكانت حاجته مادية، أم روحية، أم معنوية. وهو يدرك أن هؤلاء هم "إخوة يسوع الصغار"، فمن يخدمهم يخدم يسوع نفسه. على محبتنا لهم سندان في مساء الحياة. لكننا لا ننسى أن الرب يسوع يساعدنا بنعمته على حمل صلبان حياتنا، ويخفف من وجعها، ويعطيها قيمة فداء وخلاص، إذ يشركها بآلامه.
- المرأة فيرونيكا، مسحت بمنديل وجه يسوع المشوه بالدم والعرق المتصببين من إكليل الشوك على رأسه، ومن جبينه من جراء ثقل الصليب والألم والحزن. لكن يسوع كافأها بطبع وجهه المقدس على منديلها، لكي يؤكد مرة أخرى أن وجهه المتألم مطبوع في وجه كل إنسان. فمن يراه، يرى وجه يسوع. ومن مسح جبين حزنه ووجعه، طبع الرب يسوع صورته ونعمته في قلبه.
- نساء أورشليم يبكين على يسوع من شدة الظلم عليه، وهو البريء الذي جال في المدن والقرى، يعلن كلام الله ويشفي من كل الأمراض والعلل. أما يسوع فدعاهن ليبكين على خطاياهن وخطايا أولادهن وآثامهم وشرورهم (راجع لو23: 27-28). وهي دعوة لنا للتوبة والتكفير بأعمالنا الصالحة عن الشرور والخطايا المتمادية في العالم، والظاهرة في النزاعات والحروب، في العنف والإرهاب، في البغض والحقد، في الظلم والاستبداد، في التفلت من وصايا الله وتعليم الكنيسة، وفي الإساءة لله وللإنسانية".
وختم بالقول: "لقد أنهينا معك، أيها الرب يسوع، طريق آلامك الخلاصية، أعطنا النعمة، ونحن نعود إلى بيوتنا ومكان عملنا وتواجدنا، لكي نواصل بدورنا آلام الفداء والخلاص، وشعارنا كلمة بولس الرسول: "إنا نتم في أجسادنا ما نقص من آلام المسيح من أجل الكنيسة"(كول1: 24)، راجين العبور مع عالمنا من حالة الموت الروحي والمعنوي، والإنساني والوطني، إلى حالة القيامة مشعين بسلام المسيح ومحبته ورحمته اللامتناهية، ونهتف: المسيح قام! حقا قام!".
العظة
وألقى الراعي عظة بعنوان "طعن وعوقب بسبب آثامنا وبجرحه شفينا"، قال فيها:"انجيل آلام المسيح الإله، فادينا وموته كما رواها الانجيليون الاربعة، يدعونا للتأمل في عظم محبة الله الظاهرة في يسوع المسيح، وهي محبة افتدتنا وكفرت عن خطايانا، وأفاضت على العالم غفران الله ورحمته. محبة تدعونا لنبادل الله محبة بمحبة، فنكون في مجتمعاتنا التي يسودها البغض والعداوة، شعب المحبة والرحمة، ننشر ثقافة الغفران والمصالحة في عالم الإساءات والنزاعات".
أضاف: "اننا نذكر بصلاتنا، أمام آلام المسيح المحيية وموته الفادي، جميع المرضى والمتألمين بكل أنواع الآلام الجسدية والمعنوية والروحية، أكان من جراء مرض او حرب او ظلم او عنف او إرهاب، أكانوا في حالة تهجير ام تشريد ام خطف ام احتجاز، ام في حالة خوف او اضطراب او يأس، سواء كانوا فقراء او مدمنين او معتدى عليهم. ان صراخ آلامهم يمس قلب الله. نلتمس من المسيح الفادي الذي حمل صليب الخطيئة والشر، ان يساعدهم على حمل صليبهم، وعلى إدراك قيمته الخلاصية المستمدة من آلامه، وان يعزي قلوبهم بنعمته، ويرسل اليهم من يحمل لهم محبته ورحمته. ونسأله ان يخفف من آلامهم، ويضع حدا لأسبابها، فهو قادر على كل شيء، إياه نمجد، وله نسجد في كل حين وحال".
وتابع: "اننا نصغي الآن لما يعلمنا هذا المعلم الإلهي من على عرش صليبه، بكلماته السبع التي ضمنها جوهر وخلاصة كل تعليمه:
في الاولى، الإلتجاء الى الله بروح البنوة والثقة بعنايته عند الضيق ومرارة الوحدة، وعندما تفشل كل المحاولات البشرية. لقد علمنا يسوع المرفوع بين أرض وسماء، والمترك بين أيدي الجناة، ان نرفع، في ضيقنا، صرخة البنين الى الآب السماوي:"إلهي، ألهي لماذا تركتني؟" وهي صلاة المزمور 22 الموضوعة على لسان كل متألم ومظلوم.
في الكلمة الثانية، (يعلمنا) ثقافة الغفران الذي يبرر أخطاء البشر بسبب جهلهم، ثقافة تربي العقول والضمائر على الحقيقة التي تنير جميع الناس وتخرجهم من ظلمة الجهل والحقد والاعتداء. من أجل الصالبين والشتامين والهازئين، صلى يسوع:" يا أبت إغفر لهم، لانهم لا يدرون ما يفعلون".
في الثالثة، الفرح في مغفرة الإساءة لكل نادم، والمصالحة الصادرة من القلوب الكبيرة. لا تكفي ثقافة الغفران اذا انحصرت في دائرة العقل والمعرفة، بل يجب ان تطبق أفعالا ومبادرات. عندما ندم على جرائمه اللص المصلوب عن يمين يسوع، والتمس الغفران، أجابه الرب:"الحق أقول لك، انك تكون معي اليوم في الفردوس".
في الرابعة، ولادة الحياة من الحب المضحي. من حب الزوجين يولد كائن بشري. من حب الله ومريم العذراء ولد كلمة.الله انسانا. من ذروة حب المسيح على الصليب وحب امه مريم شريكة الفداء، ولدت البشرية الجديدة المتمثلة بالكنيسة، وكانت أمومة مريم لكل انسان، عندما أعلن يسوع هذه الحقيقة قائلا لأمه:"يا امرأة (يا أم الحياة) هذا ابنك! ويا يوحنا، هذه أمك". وتجلت الحقيقة نفسها برمزي الماء والدم اللذين سالا من صدر يسوع المطعون بالحربة، فالماء رمز المعمودية التي من أحضائها تولد الولادة الثانية بالروح القدس، والدم رمز القربان الذي منه نغتذي.
في الخامسة، (يعلمنا) العطش الى الخير عند الشر، والى العدالة عند الظلم، والى المحبة عند البغض، والى نعمة الغفران عند الخطيئة. هذا العطش تشوق اليه يسوع، عندما قال:" أنا عطشان". فزادوا على مرارته خلا أدنوها من فمه، فتمت نبوءة المزمور.
في السادسة، ان الحياة عطية من الله، نردها اليه عند ساعة الموت. فينبغي المحافظة على بناء حياتنا وتتميم ارادة الله وتصميمه عليها، لكي نردها اليه مع ثمارها. ففي مساء كل يوم، وبخاصة في مساء الحياة، نصلي مع الرب يسوع: "يا أبت بين يديك أستودع روحي".
في السابعة، ان النظرة الى ماضي حياتنا ضرورية لكي نكون في راحة الضمير، الذي هو صوت رضى الله في قلوبنا. مدعوون الى كل مساء، قبل ان نخلد الى النوم، لان نلقي نظرة تقييمية، في ضوء كلام الله، على أقوالنا وأفعالنا وتصرفاتنا ومواقفنا في النهار الذي انقضى، وفقا للقاعدة الخلقية التي تميز بين الخير والشر، بين العدالة والظلم، بين المحبة والبغض، بين الحقيقة والكذب. اذا تمرسنا على هذه الوقفة التقييمية، استطعنا ان نقول مع الرب يسوع عند ساعة الموت: "لقد تم كل شيء على انه وفقا لإرادة الله والواجب".
وختم الراعي: "ايها الرب يسوع، إنا نسجد لآلامك، ونشكرك عليها وعلى تعليمك، ونمجدك ونتبارك بنعمة موتك لفدائنا، ضم الى آلامك المقدسة كل آلامنا، وآلام البشر أجمعين. لقد ضممت الجميع الى قلبك ببسط يديك المقدستين على الصليب، وسع الدنيا. أطلقنا في لبنان وهذا الشرق شهودا لمحبتك ورحمتك، حاملين كل يوم، في عقلنا وقلبنا، تعليمك الأخير، من على صليبك، وساعين الى نشره ثقافة وحضارة حياة. بهذا الالتزام، نسجد لك ايها المسيح ونباركك، لانك بصليبك المقدس خلصت العالم،آمين".
مسيرة درب الصليب
ومساء، ترأس الراعي مسيرة درب الصليب في الصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة بعنوان "نسجد لك أيها المسيح ونباركك، لأنك بصليبك المقدس خلصت العالم"، قال فيها: "في ختام درب الصليب التي شاركنا فيها بكل تقوى، ونظمها مكتب راعوية الشبيبة في الدائرة البطريركية بقيادة الخوري توفيق بو هدير، نسجد بانسحاق القلب لصليب المسيح الفادي الذي به خلصنا وخلص العالم. ننظر إليه بروح التوبة والندامة عن كل إساءة جددنا بها آلامه وصلبناه من جديد، على ما يقول بولس الرسول: "إن الذين استناروا، إذا عادوا إلى الخطيئة، صلبوا من جديد رب المجد"(1كور2: 8 ). ومع هذا ننظر إليه تائبين كما قال الكتاب: "سينظرون إلى الذي طعنوه"(يو19: 37)".
أضاف: "في مسيرة درب الصليب، عبر مراحلها الأربع عشرة، تأملنا وصلينا واتخذنا مقاصد، مستنيرين بالتأملات التي وضعتها شبيبتنا، كما تعلمون، السنة الماضية، بطلب من قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، وقادت مسيرة درب الصليب في روما، في Colisée، مع قداسة البابا فرنسيس. نوجز أمثولتها، لكي تظل محفوظة في ذاكرتنا".
وتابع: "يسوع ابن الله المتجسد يحكم عليه بالموت وهو بريء، من سلطة سياسية جبانة، متمثلة بشخص بيلاطس. خاف على كرسيه فأرضى الشعب الحاقد الذي حركه أصحاب النفوذ الحاسدون، وأمر بصلب يسوع. لكن ربنا تقبل بحب خلاصي أن يموت فدا عن الجميع، مكفرا عن خطاياهم، لكي يبعث في العالم حياة جديدة، وثقافة المحبة والرحمة والغفران. فكان صلبه انتصاره على الخطيئة والشر، وأصبح صليبه علامة الرجاء. هذا الصليب هو قوتنا في معركة الحياة".
وقال: "وقع يسوع تحت صليبه ثلاث مرات، للدلالة على ثقل خطايا البشر على قلبه المحب والغفور، وعلى شدة آلامه، وعلى انحناءته الرحومة علينا لكي ينهضنا من حالة بؤسنا الروحي والمعنوي والحسي، كما تنبأ عنه آشعيا: "طعن بسبب معاصينا، وسحق بسبب آثامنا، نزل به العقاب من أجل سلامنا، وبجرحه شفينا" (أش53: 5). بقوة صليب المسيح ورحمة الله اللامتناهية، نستطيع أن ننهض من سقطاتنا، وننعم بفرح القيامة، قيامة القلب لحياة جديدة".
أضاف: "تعاطف مع يسوع، المتروك بين أيدي الحساد والحاقدين والجهلة والرعاع، أشخاص خففوا من آلامه الحسية والنفسية وهم:
- أمه مريم، شريكة الفداء بحسب نبوءة سمعان الشيخ. إنه وجه الأم الذي يخفف من آلام كل إنسان، بحضورها وكلمتها وخدمتها ولمسة يدها.
- سمعان القيرواني، الذي ساعد يسوع على حمل صليبه، يمثل وجه كل إنسان يتعاطف مع الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين، ويمد له يد المساعدة، أكانت حاجته مادية، أم روحية، أم معنوية. وهو يدرك أن هؤلاء هم "إخوة يسوع الصغار"، فمن يخدمهم يخدم يسوع نفسه. على محبتنا لهم سندان في مساء الحياة. لكننا لا ننسى أن الرب يسوع يساعدنا بنعمته على حمل صلبان حياتنا، ويخفف من وجعها، ويعطيها قيمة فداء وخلاص، إذ يشركها بآلامه.
- المرأة فيرونيكا، مسحت بمنديل وجه يسوع المشوه بالدم والعرق المتصببين من إكليل الشوك على رأسه، ومن جبينه من جراء ثقل الصليب والألم والحزن. لكن يسوع كافأها بطبع وجهه المقدس على منديلها، لكي يؤكد مرة أخرى أن وجهه المتألم مطبوع في وجه كل إنسان. فمن يراه، يرى وجه يسوع. ومن مسح جبين حزنه ووجعه، طبع الرب يسوع صورته ونعمته في قلبه.
- نساء أورشليم يبكين على يسوع من شدة الظلم عليه، وهو البريء الذي جال في المدن والقرى، يعلن كلام الله ويشفي من كل الأمراض والعلل. أما يسوع فدعاهن ليبكين على خطاياهن وخطايا أولادهن وآثامهم وشرورهم (راجع لو23: 27-28). وهي دعوة لنا للتوبة والتكفير بأعمالنا الصالحة عن الشرور والخطايا المتمادية في العالم، والظاهرة في النزاعات والحروب، في العنف والإرهاب، في البغض والحقد، في الظلم والاستبداد، في التفلت من وصايا الله وتعليم الكنيسة، وفي الإساءة لله وللإنسانية".
وختم بالقول: "لقد أنهينا معك، أيها الرب يسوع، طريق آلامك الخلاصية، أعطنا النعمة، ونحن نعود إلى بيوتنا ومكان عملنا وتواجدنا، لكي نواصل بدورنا آلام الفداء والخلاص، وشعارنا كلمة بولس الرسول: "إنا نتم في أجسادنا ما نقص من آلام المسيح من أجل الكنيسة"(كول1: 24)، راجين العبور مع عالمنا من حالة الموت الروحي والمعنوي، والإنساني والوطني، إلى حالة القيامة مشعين بسلام المسيح ومحبته ورحمته اللامتناهية، ونهتف: المسيح قام! حقا قام!".
وطنية 18\4\2014
إرسال تعليق