كتب يوسف دياب - أنقذوا طرابلس .. أنقذوا لبنان .. اللهم أني قد بلّغت .. اللهم فاشهد. هذه
هي الصرخة المدويّة التي أطلقها عضو كتلة «المستقبل» وإبن مدينة طرابلس
النائب سمير الجسر.. صرخة لا يزال صداها يتردد.. صرخة كافية لهزّ ضمائر
المسؤولين، على وقع إستمرار نزيف الدم في عاصمة لبنان الثانية. مدينة الأفق
والأمواج وبساتين الليمون العابقة دوماً بالحياة، المدينة التي تحوّلها
اليوم عصابات القتل شذاذ الآفاق وقطاع الأعناق الى مدينة أشباح، تزرع الموت
والرعب في شوارعها وأحيائها وبيوتها.
تحوّل أطفالها ونساءها وشيبها
وشبابها الى ضحايا وجنازاتها الى مجرّد أرقام يحسبونها في سجلاتها
الإجرامية بين جولة قتال وأخرى. وتحت أنظار ظلّ دولة تارة تظهر عجزها وتارة
أخرى تقرّ بتقصيرها، وفي أحيان كثيرة تبدو متواطئة عن قصد، برعاية مسؤولين
أمنيين وعسكريين غالباً ما يساوون بين الجلاد والضحية وأحياناً أخرى تنقلب
عندهم المفاهيم.
لم تكن كلمة سمير الجسر في مجلس النواب في إطار مناقشة البيان الوزاري، مجرّد خطاب إستعراضي لتسجيل موقف سياسي في لحظة بلغ فيها الصراع السياسي في لبنان أوجه. إنها لسان حال كلّ متألم في طرابلس.. كلمة من يعايش المأساة على أرض الواقع، صوت كل أب وأم وكلّ عائلة مفجوعة أو اسرة يتملكها الخوف من الغد، لا بل مما قد يصيبها بعد ساعة من أمراء الجبهات المفتوحة والمحاور المشتعلة.
«إن أزمة تمتد لأكثر من ست سنوات بحاجة الى خلية أزمة برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية وزير الدفاع والوزراء المعنيين.. إن إنفجار طرابلس لن يقتصر على طرابلس وحدها، بل إن لهيبها سيمتدّ الى كلّ لبنان». هذه الجملة القصيرة تضع الأصبع على جرح الفيحاء النازف أبداً. ولا يبقى تشخيص الداء هنا، فنائب المدينة الذي يعيش يومياتها ساعاة بساعة، يعطي أمثلة على فشل المسؤولين الأمنيين «إن مدير المدرسة التي يتجاوز لديه السقوط معدلاً معيناً لمدة ثلاث سنوات متتالية يستبدل. مدير البنك الذي تفضي ممارسته الى تدني أعمال البنك بدلاً من نموها يستبدل.. وكذلك المسؤول عن أمن الناس وإستقرار المجتمع يجب أن يستبدل متى لم يستطع أن يحقق الأحسن. فأي خطّة أمنية تبدأ بإستبدال كافة المسؤولين الأمنيين والقضائيين المعنيين بأمن الناس وحماية أرواحهم وممتلكاتهم لإعطاء صدمة ايجابية بأن هناك مسؤولين فشلوا أو لم يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم قد جرى استبدالهم».
قالها سمير الجسر من داخل القاعة العامة لمجلس النواب وبالفم الملآن: «ما كنتُ أرغب في اعتلاء هذا المنبر ومناقشة البيان الوزاري لحكومة المصلحة الوطنية التي طال انتظارها كما طال التمعُّن في انتقاء مفردات وعبارات بيانها لو أن العام الذي فيه حول أولويات الأمن والاستقرار يحتوي ضمناً الخاص الذي يقلقنا في طرابلس، لكن الخاص في نظري يتقدم أحياناً على العام تبعاً لدرجة الخطورة التي تُحيط بالمدينة وأهلها بل وعلى الوطن، فطرابلس التي شكّلت على مدى التاريخ الثغر الذي حمى الأمة، وكانت في عهد الانتداب حجر الزاوية في حركة الاستقلال الأولى وموقع الثِّقَل في حركة الاستقلال الثانية، وموئلاً للعيش المشترك، تحرم اليوم من كل وسائل التنمية ولم تحظَ بالنصيب الأمني الذي تستحقه من تثبيت للأمن والاستقرار».
«تعاني طرابلس منذ العام 2008 وتحديداً منذ تسوية الدوحة (يقول الجسر) مشكلة أمنية ضاغطة، وهي تستعمل كصندوق بريد سياسي ساخن، فحين تأخر تأليف حكومة الوفاق الوطني انفجر الوضع الأمني ليهدأ عند صدور مراسيم التأليف ثمّ ليعود فينفجر عند تأخر البيان الوزاري وليهدأ الوضع بعد ذلك، بقُدرة قادر، عند اعلان البيان الوزاري. ومنذ ذلك التاريخ وعند كل استحقاق أو منعطف سياسي تستخدم المدينة ويستخدم أمنها كورقة ضغط سياسي للمساومة». ويذكّر أن «طرابلس التي قدّمت الشهداء على مذبح الاستقلال، ودفاعاً عن الوطن، والتي انتفضت من أجل كل القضايا القومية، ومع حركات التحرر العربية والافريقية والأسيوية، ووقفت الى جانب المقاومة بكل ضروبها دفاعاً عن لبنان، وحرصت على القضية الفلسطينية، لم تجد اليوم من يُطبق العدالة على أرضها ولم تجد من الدولة والقوى العسكرية والأمنية من يُوفر لأبنائها الحماية يوم تكررت الاعتداءات عليها وعلى أبنائها».
ويشير نائب طرابلس الى أن الفيحاء «التي كانت تنتظر عوناً من كل اللبنانيين لوقف المأساة كوفِئَتْ من البعضِ بخلق مجموعات أمنية في كل المناطق، بمجموعاتٍ تُدرّب وتُزوّد بالسلاح والمال. والمجموعات الأمنية كما هو معلوم تَسْتجّر مجموعات مقابلة، طرابلس كانت تنتقل من جولة عنف الى جولة أخرى... والباقون يُعِدون الجولات... وبين الجولة والجولة هناك من يعبث بالأمن ويرمي القنابل والمتفجرات في نطاق جغرافي صغير... من دون أن يُلْقى القبض على متسببي الأحداث ولا على الذين يُفجّرون الأوضاع ويُخلّون بالأمن».
يكشف الجسر معاناة المدينة المزمن من الدولة، ويقول: «طرابلس التي تخلّت عنها الدولة والقوى الأمنية لجأ بعض أهلها الى نوع من الأمن الذاتي للدفاع عن أنفسهم وعن منازلهم ومتاجرهم، فغرقت في وحول الأمن الذاتي الذي لا يخلف سوى الفوضى، وبقي الوضع على حاله من انتشار أمني الى انتشار أمني آخر حتى أيار من العام 2012 حين تخطّت الأحداث مناطق القتال المظلومة بين جبل محسن ومحيطه لتشهد المدينة حالة من الفوضى العارمة رافقها تعد على الأملاك الخاصة والعامة وفرض للخوات وفوضى أمنية في كافة أرجائها. فلا أمن ولا من يأمنون... وخارجون على القانون يلقون رعاية من أمن فتحت شهيتهم على فرض الخوات والاعتداء على العام والخاص. وقوى أمنية تبرر تقاعسها بالشكوى من أهل السياسة وتقرر علناً وخارجاً عن أي قرار سياسي بالتعاطي مباشرة مع المجموعات المسلحة في محاولة للايقاع بين الناس وبين ممثليهم من دون أن يتركوا جمعاً لمجتمع مدني الا وافتروا فيه على أهل السياسة من أنهم لا يعطونهم الغطاء السياسي... في الوقت الذي توفر الحكومة وحدها هذا القرار، وفي الوقت الذي يوجد فيه القرار رقم (1) منذ أيام الرئيس الياس الهراوي والذي أعطى فيه حق ضبط الأمن للجيش من دون العودة الى الحكومة، والحكمُ باستمرار... وفي الوقت الذي جمع فخامة الرئيس مجلس الدفاع الأعلى ثلاث مرات لمعالجة الوضع الأمني في طرابلس».
لا يغفل نائب طرابلس الذرائع التي يتلطى خلفها المسؤولون عن أمن المدينة «لا غطاء سياسياً .. وكان من نتائج ذلك أنه بانَ للناس عدم صحة كل تلك المزاعم التي رَوجها بعضُ الأمن مما أدى الى زعزعة الثقة بالمؤسسات الأمنية وهذا أكبر أنواع الخطر الذي يتهدد الأمن الذي يلزمه رجال أمن يتمتعون بثقة الناس بشكل كامل، لانه في النهاية ليس لنا بديل عن الجيش وباقي القوى الأمنية التي نحرص على ان تتمتعَ بثقة الناس. وحين تُقرَرُ خطة أمنية للمدينة تبقى مجهولةً بتفاصيلها إلا من ظاهرة حاجزين، حاجز يفصل المدينة عن قضاء الكورة وحاجز آخر يفصلها عن قضاء زغرتا وكأنما الخلل الأمني مع هاتين المنطقتين وليس هو داخل المدينة وأزقتها. وحين نتوصل الى استقدام (600) عسكري من القوى السيارة في قوى الأمن الداخلي التي أنشئت في الأصل لهذه المهمات وتوضع هذه القوى في إمرة الجيش لعدم تضارب الصلاحيات على الأرض، لا نعود نرى هذه القوى ولا حواجز لها ولا تدابير أمنية». ويضيف: «للأمانة نقول، فقط في الأسبوع الماضي وقبل اندلاع القتال الأخير شهدنا مداهمات في بعض الأحياء لخارجين على القانون». ومن هنا يعبر الجسر الى تعداد المآسي التي خلّفتها الجولات الـ20 من العنف والقتال حيث سقط من الـ2008 حتى اليوم 203 شهداء من المدنيين و14 شهيداً من القوى العسكرية والأمنية. 1320 جريحاً. تضرر 16417 منزلاً حتى العام 2012 لأن أضرار العام 2013 لم تحص بعد. إحراق وتضرر 2000 مؤسسة تجارية حتى العام 2012 عدا عن إغلاق مئات المؤسسات بشكل نهائي، وفي بعض الأحيان إقفال اسواق بكاملها. عدا عن أنها وبحسب دراسة وضعتها مؤسسات متخصصة جعلت 15 ألف شخص عاطلين عن العمل».
«إن طرابلس هي جزء من هذا الوطن (يذكّر الجسر) لها حقوق على الوطن وعلى العدالة. طرابلس تريد أن تشعر بأن هناك دولة تهتم بها كما اهتمت الدولة حين قطعت طريق الجنوب وحين هبت لحل النزاع حول أملاك لاسا وحين تجندت لوقف البناء المخالف في أراض ملاصقة لأراضي بعض المالكين في علما. طرابلس تطلب أن يكون لها خطّة أمنية وخطّة تنموية متزامنة مع الخطّة الأمنية. خطّة تستعمل القوة حين يلزم من دون افراط في استعمال القوة. خطّة تعتمد الهيبة وشَتّان ما بين الهيبة والعنف. خطّة أمنية تعتمد ملاحقة المطلوبين في جريمة مسجدي التقوى والسلام وكل من يظهره التحقيق متدخلاً ومحرضاً. تنفيذاً لعدالة لا تعترف بخطوط حمراء في ملاحقة المجرمين والضالعين في الاجرام. خطّة أمنية تلاحق من ثم كل الخارجين على القانون من الذين اعتدوا على أرواح الناس وممتلكاتهم واعتدوا على الأملاك العامة. خطّة أمنية لا يتذرع المسؤولون عنها بنقص العديد وغياب القرار السياسي وتضارب الصلاحيات. خطّة لا يشعر فيها المواطن أنه بمواجهة قوى معادية كما يُقال للجندِ في بعض الأحيان بل هو في ظل أمن يوفر له الاستقرار والأمن والعدالة. خطّة أمنية تبدأ باستبدال كافة المسؤولين الأمنيين والقضائيين المعنيين بأمن الناس وحماية أرواحهم ومتلكاتهم لاعطاء صدمة ايجابية بأن هناك مسؤولين فشلوا أو لم يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم قد جرى استبدالهم».
ويسلّط الجسر الضوء على مكمن الخلل الأمني، ويعطي أمثلة على التلكؤ في المعالجة: «مدير المدرسة الذي يتجاوز لديه السقوط معدلاً معيناً لمدة ثلاث سنوات متتالية يستبدل. مدير البنك الذي تفضي ممارسته الى تدني أعمال البنك بدلاً من نموها يستبدل. المسؤول عن أمن الناس وعن استقرار المجتمع يجب أن يستبدل متى لم يستطع أن يحقق أي تحسين». ويستطرد: «كل الاسلاك تفترض ان لا يبقى المسؤول في موقع لأكثر من ثلاث سنوات. فلنطبق هذا الأمر ولنعط الصدمة الايجابية. وأعتقد أن خير خطة أمنية هي التي تبدأ بتبديل كل المسؤولين الأمنيين في الجيش وقوى الأمن الداخلي وكذلك في القضاء. بالتزامن مع خطّة تنموية عاجلة ومتوسطة وطويلة الأمد تقضي على بؤر الحرمان وتسلح أبناء المناطق المحرومة بالعلم والمعرفة وتعليمه وسيلة لكسب الرزق الشريف والحلال وتوفر لهم من خلال برامج الرعاية الاجتماعية والصحية ما يساعدهم على تخطي الصعاب وتنفيذ مشاريع طرابلس من دون تأخير أو تسويف. هذه حقوق نطلبها بالفم الملآن، وهذه الحقوق لا نتعاطى بها من منظور محلي بل نتناولها ببعد وطني.. إذ ان في سلامة طرابلس سلامة لكل لبنان».
يخاطب عضو كتلة «المستقبل» مجلس النواب ورئيسه ورئيس الحكومة والمعنيين ومن خلالهم الرأي العام: «في كل بلاد العالم حينما تمتد مشكلة أمنية في حيّ أو مدينة لأيام، ينشئون فيها خلية أزمة لمعالجة الأمور. إن أزمة تمتد لأكثر من ست سنوات بحاجة الى خلية أزمة برئاسة دولة الرئيس تمام سلام وعضوية كل من وزير الدفاع ووزير الاعلام. وكل من يمكن أن يساهم في فرض الأمن ورفع معاناة الناس الاقتصادية والاجتماعية. تضع خلية الأزمة خطّة وتجتمع اسبوعياً للإعلان للناس عن التقدم الذي حققته الخطة. نسمع من حين لآخر أن الأجهزة الأمنية من مخابرات الجيش أو المعلومات أو أي جهاز آخر قد ضبطت متفجرات بزنات مختلفة (200,100,50) كلغ معدّة لقتل الناس وترويعهم... لكن تبقى المتفجرة الموقوتة الأكبر التي اسمها طرابلس، تبقى طرابلس من دون ضبط ومن دون تفكيك لعناصر التفجير».
ويختم الجسر بصرخة مدوية: «إن انفجار طرابلس لن يودي بطرابلس وحدها فقط بل ان لهيبها سيمتد الى كل لبنان.
انقذوا طرابلس... انقذوا لبنان. اللهم فاشهد أني قد بلغت.. اللهم فاشهد أني قد بلغت».
لم تكن كلمة سمير الجسر في مجلس النواب في إطار مناقشة البيان الوزاري، مجرّد خطاب إستعراضي لتسجيل موقف سياسي في لحظة بلغ فيها الصراع السياسي في لبنان أوجه. إنها لسان حال كلّ متألم في طرابلس.. كلمة من يعايش المأساة على أرض الواقع، صوت كل أب وأم وكلّ عائلة مفجوعة أو اسرة يتملكها الخوف من الغد، لا بل مما قد يصيبها بعد ساعة من أمراء الجبهات المفتوحة والمحاور المشتعلة.
«إن أزمة تمتد لأكثر من ست سنوات بحاجة الى خلية أزمة برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية وزير الدفاع والوزراء المعنيين.. إن إنفجار طرابلس لن يقتصر على طرابلس وحدها، بل إن لهيبها سيمتدّ الى كلّ لبنان». هذه الجملة القصيرة تضع الأصبع على جرح الفيحاء النازف أبداً. ولا يبقى تشخيص الداء هنا، فنائب المدينة الذي يعيش يومياتها ساعاة بساعة، يعطي أمثلة على فشل المسؤولين الأمنيين «إن مدير المدرسة التي يتجاوز لديه السقوط معدلاً معيناً لمدة ثلاث سنوات متتالية يستبدل. مدير البنك الذي تفضي ممارسته الى تدني أعمال البنك بدلاً من نموها يستبدل.. وكذلك المسؤول عن أمن الناس وإستقرار المجتمع يجب أن يستبدل متى لم يستطع أن يحقق الأحسن. فأي خطّة أمنية تبدأ بإستبدال كافة المسؤولين الأمنيين والقضائيين المعنيين بأمن الناس وحماية أرواحهم وممتلكاتهم لإعطاء صدمة ايجابية بأن هناك مسؤولين فشلوا أو لم يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم قد جرى استبدالهم».
قالها سمير الجسر من داخل القاعة العامة لمجلس النواب وبالفم الملآن: «ما كنتُ أرغب في اعتلاء هذا المنبر ومناقشة البيان الوزاري لحكومة المصلحة الوطنية التي طال انتظارها كما طال التمعُّن في انتقاء مفردات وعبارات بيانها لو أن العام الذي فيه حول أولويات الأمن والاستقرار يحتوي ضمناً الخاص الذي يقلقنا في طرابلس، لكن الخاص في نظري يتقدم أحياناً على العام تبعاً لدرجة الخطورة التي تُحيط بالمدينة وأهلها بل وعلى الوطن، فطرابلس التي شكّلت على مدى التاريخ الثغر الذي حمى الأمة، وكانت في عهد الانتداب حجر الزاوية في حركة الاستقلال الأولى وموقع الثِّقَل في حركة الاستقلال الثانية، وموئلاً للعيش المشترك، تحرم اليوم من كل وسائل التنمية ولم تحظَ بالنصيب الأمني الذي تستحقه من تثبيت للأمن والاستقرار».
«تعاني طرابلس منذ العام 2008 وتحديداً منذ تسوية الدوحة (يقول الجسر) مشكلة أمنية ضاغطة، وهي تستعمل كصندوق بريد سياسي ساخن، فحين تأخر تأليف حكومة الوفاق الوطني انفجر الوضع الأمني ليهدأ عند صدور مراسيم التأليف ثمّ ليعود فينفجر عند تأخر البيان الوزاري وليهدأ الوضع بعد ذلك، بقُدرة قادر، عند اعلان البيان الوزاري. ومنذ ذلك التاريخ وعند كل استحقاق أو منعطف سياسي تستخدم المدينة ويستخدم أمنها كورقة ضغط سياسي للمساومة». ويذكّر أن «طرابلس التي قدّمت الشهداء على مذبح الاستقلال، ودفاعاً عن الوطن، والتي انتفضت من أجل كل القضايا القومية، ومع حركات التحرر العربية والافريقية والأسيوية، ووقفت الى جانب المقاومة بكل ضروبها دفاعاً عن لبنان، وحرصت على القضية الفلسطينية، لم تجد اليوم من يُطبق العدالة على أرضها ولم تجد من الدولة والقوى العسكرية والأمنية من يُوفر لأبنائها الحماية يوم تكررت الاعتداءات عليها وعلى أبنائها».
ويشير نائب طرابلس الى أن الفيحاء «التي كانت تنتظر عوناً من كل اللبنانيين لوقف المأساة كوفِئَتْ من البعضِ بخلق مجموعات أمنية في كل المناطق، بمجموعاتٍ تُدرّب وتُزوّد بالسلاح والمال. والمجموعات الأمنية كما هو معلوم تَسْتجّر مجموعات مقابلة، طرابلس كانت تنتقل من جولة عنف الى جولة أخرى... والباقون يُعِدون الجولات... وبين الجولة والجولة هناك من يعبث بالأمن ويرمي القنابل والمتفجرات في نطاق جغرافي صغير... من دون أن يُلْقى القبض على متسببي الأحداث ولا على الذين يُفجّرون الأوضاع ويُخلّون بالأمن».
يكشف الجسر معاناة المدينة المزمن من الدولة، ويقول: «طرابلس التي تخلّت عنها الدولة والقوى الأمنية لجأ بعض أهلها الى نوع من الأمن الذاتي للدفاع عن أنفسهم وعن منازلهم ومتاجرهم، فغرقت في وحول الأمن الذاتي الذي لا يخلف سوى الفوضى، وبقي الوضع على حاله من انتشار أمني الى انتشار أمني آخر حتى أيار من العام 2012 حين تخطّت الأحداث مناطق القتال المظلومة بين جبل محسن ومحيطه لتشهد المدينة حالة من الفوضى العارمة رافقها تعد على الأملاك الخاصة والعامة وفرض للخوات وفوضى أمنية في كافة أرجائها. فلا أمن ولا من يأمنون... وخارجون على القانون يلقون رعاية من أمن فتحت شهيتهم على فرض الخوات والاعتداء على العام والخاص. وقوى أمنية تبرر تقاعسها بالشكوى من أهل السياسة وتقرر علناً وخارجاً عن أي قرار سياسي بالتعاطي مباشرة مع المجموعات المسلحة في محاولة للايقاع بين الناس وبين ممثليهم من دون أن يتركوا جمعاً لمجتمع مدني الا وافتروا فيه على أهل السياسة من أنهم لا يعطونهم الغطاء السياسي... في الوقت الذي توفر الحكومة وحدها هذا القرار، وفي الوقت الذي يوجد فيه القرار رقم (1) منذ أيام الرئيس الياس الهراوي والذي أعطى فيه حق ضبط الأمن للجيش من دون العودة الى الحكومة، والحكمُ باستمرار... وفي الوقت الذي جمع فخامة الرئيس مجلس الدفاع الأعلى ثلاث مرات لمعالجة الوضع الأمني في طرابلس».
لا يغفل نائب طرابلس الذرائع التي يتلطى خلفها المسؤولون عن أمن المدينة «لا غطاء سياسياً .. وكان من نتائج ذلك أنه بانَ للناس عدم صحة كل تلك المزاعم التي رَوجها بعضُ الأمن مما أدى الى زعزعة الثقة بالمؤسسات الأمنية وهذا أكبر أنواع الخطر الذي يتهدد الأمن الذي يلزمه رجال أمن يتمتعون بثقة الناس بشكل كامل، لانه في النهاية ليس لنا بديل عن الجيش وباقي القوى الأمنية التي نحرص على ان تتمتعَ بثقة الناس. وحين تُقرَرُ خطة أمنية للمدينة تبقى مجهولةً بتفاصيلها إلا من ظاهرة حاجزين، حاجز يفصل المدينة عن قضاء الكورة وحاجز آخر يفصلها عن قضاء زغرتا وكأنما الخلل الأمني مع هاتين المنطقتين وليس هو داخل المدينة وأزقتها. وحين نتوصل الى استقدام (600) عسكري من القوى السيارة في قوى الأمن الداخلي التي أنشئت في الأصل لهذه المهمات وتوضع هذه القوى في إمرة الجيش لعدم تضارب الصلاحيات على الأرض، لا نعود نرى هذه القوى ولا حواجز لها ولا تدابير أمنية». ويضيف: «للأمانة نقول، فقط في الأسبوع الماضي وقبل اندلاع القتال الأخير شهدنا مداهمات في بعض الأحياء لخارجين على القانون». ومن هنا يعبر الجسر الى تعداد المآسي التي خلّفتها الجولات الـ20 من العنف والقتال حيث سقط من الـ2008 حتى اليوم 203 شهداء من المدنيين و14 شهيداً من القوى العسكرية والأمنية. 1320 جريحاً. تضرر 16417 منزلاً حتى العام 2012 لأن أضرار العام 2013 لم تحص بعد. إحراق وتضرر 2000 مؤسسة تجارية حتى العام 2012 عدا عن إغلاق مئات المؤسسات بشكل نهائي، وفي بعض الأحيان إقفال اسواق بكاملها. عدا عن أنها وبحسب دراسة وضعتها مؤسسات متخصصة جعلت 15 ألف شخص عاطلين عن العمل».
«إن طرابلس هي جزء من هذا الوطن (يذكّر الجسر) لها حقوق على الوطن وعلى العدالة. طرابلس تريد أن تشعر بأن هناك دولة تهتم بها كما اهتمت الدولة حين قطعت طريق الجنوب وحين هبت لحل النزاع حول أملاك لاسا وحين تجندت لوقف البناء المخالف في أراض ملاصقة لأراضي بعض المالكين في علما. طرابلس تطلب أن يكون لها خطّة أمنية وخطّة تنموية متزامنة مع الخطّة الأمنية. خطّة تستعمل القوة حين يلزم من دون افراط في استعمال القوة. خطّة تعتمد الهيبة وشَتّان ما بين الهيبة والعنف. خطّة أمنية تعتمد ملاحقة المطلوبين في جريمة مسجدي التقوى والسلام وكل من يظهره التحقيق متدخلاً ومحرضاً. تنفيذاً لعدالة لا تعترف بخطوط حمراء في ملاحقة المجرمين والضالعين في الاجرام. خطّة أمنية تلاحق من ثم كل الخارجين على القانون من الذين اعتدوا على أرواح الناس وممتلكاتهم واعتدوا على الأملاك العامة. خطّة أمنية لا يتذرع المسؤولون عنها بنقص العديد وغياب القرار السياسي وتضارب الصلاحيات. خطّة لا يشعر فيها المواطن أنه بمواجهة قوى معادية كما يُقال للجندِ في بعض الأحيان بل هو في ظل أمن يوفر له الاستقرار والأمن والعدالة. خطّة أمنية تبدأ باستبدال كافة المسؤولين الأمنيين والقضائيين المعنيين بأمن الناس وحماية أرواحهم ومتلكاتهم لاعطاء صدمة ايجابية بأن هناك مسؤولين فشلوا أو لم يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم قد جرى استبدالهم».
ويسلّط الجسر الضوء على مكمن الخلل الأمني، ويعطي أمثلة على التلكؤ في المعالجة: «مدير المدرسة الذي يتجاوز لديه السقوط معدلاً معيناً لمدة ثلاث سنوات متتالية يستبدل. مدير البنك الذي تفضي ممارسته الى تدني أعمال البنك بدلاً من نموها يستبدل. المسؤول عن أمن الناس وعن استقرار المجتمع يجب أن يستبدل متى لم يستطع أن يحقق أي تحسين». ويستطرد: «كل الاسلاك تفترض ان لا يبقى المسؤول في موقع لأكثر من ثلاث سنوات. فلنطبق هذا الأمر ولنعط الصدمة الايجابية. وأعتقد أن خير خطة أمنية هي التي تبدأ بتبديل كل المسؤولين الأمنيين في الجيش وقوى الأمن الداخلي وكذلك في القضاء. بالتزامن مع خطّة تنموية عاجلة ومتوسطة وطويلة الأمد تقضي على بؤر الحرمان وتسلح أبناء المناطق المحرومة بالعلم والمعرفة وتعليمه وسيلة لكسب الرزق الشريف والحلال وتوفر لهم من خلال برامج الرعاية الاجتماعية والصحية ما يساعدهم على تخطي الصعاب وتنفيذ مشاريع طرابلس من دون تأخير أو تسويف. هذه حقوق نطلبها بالفم الملآن، وهذه الحقوق لا نتعاطى بها من منظور محلي بل نتناولها ببعد وطني.. إذ ان في سلامة طرابلس سلامة لكل لبنان».
يخاطب عضو كتلة «المستقبل» مجلس النواب ورئيسه ورئيس الحكومة والمعنيين ومن خلالهم الرأي العام: «في كل بلاد العالم حينما تمتد مشكلة أمنية في حيّ أو مدينة لأيام، ينشئون فيها خلية أزمة لمعالجة الأمور. إن أزمة تمتد لأكثر من ست سنوات بحاجة الى خلية أزمة برئاسة دولة الرئيس تمام سلام وعضوية كل من وزير الدفاع ووزير الاعلام. وكل من يمكن أن يساهم في فرض الأمن ورفع معاناة الناس الاقتصادية والاجتماعية. تضع خلية الأزمة خطّة وتجتمع اسبوعياً للإعلان للناس عن التقدم الذي حققته الخطة. نسمع من حين لآخر أن الأجهزة الأمنية من مخابرات الجيش أو المعلومات أو أي جهاز آخر قد ضبطت متفجرات بزنات مختلفة (200,100,50) كلغ معدّة لقتل الناس وترويعهم... لكن تبقى المتفجرة الموقوتة الأكبر التي اسمها طرابلس، تبقى طرابلس من دون ضبط ومن دون تفكيك لعناصر التفجير».
ويختم الجسر بصرخة مدوية: «إن انفجار طرابلس لن يودي بطرابلس وحدها فقط بل ان لهيبها سيمتد الى كل لبنان.
انقذوا طرابلس... انقذوا لبنان. اللهم فاشهد أني قد بلغت.. اللهم فاشهد أني قد بلغت».
المستقبل 22\3\2014
إرسال تعليق