0
يوماً بعد يوم يرتسم فاصل جغرافي عسكري بين «الداخل السوري» وبين «الداخل اللبناني» وذلك من خلال التواصل التحالفيّ الفئوي الممتد من المناطق التي تخضع لـ»حزب الله» في الجنوب فالبقاع الأوسط والشمالي ثم منطقة القلمون التي تتعرض للغزو والاستباحة من قبل جيش النظام البعثي وميليشياته وفي طليعتها «حزب الله»، وصولاً الى منطقة حمص ووادي نهر العاصي فجبل العلويين.

بالتوازي، يحافظ النظام البعثي الفئوي على شبكة واسعة من مناطق السيطرة وخطوط الامداد والاتصالات في طول وعرض الداخل السوري شرق هذه المنطقة الممتدة من جنوب لبنان الى الساحل السوري والتي يمكن تسميتها بـ»الطوق العلوي الشيعي»، في حين ان «حزب الله» في الداخل اللبناني غرب وجنوب وشمال هذا الطوق لا يمتلك شبكة سيطرة متصلة جغرافياً ومسندة ديموغرافياً ببعضها البعض، بل منطقة سيطرة مركزية هي «عاصمته» أي الضاحية الجنوبية لبيروت، ثم «التخوم» في الضواحي الأخرى وفي بيروت، ثم «الجيوب» المتناثرة في ساحل المتن الشمالي وكسروان وجبيل والبترون، ووصولاً الى «الحصن» في جبل محسن، المتصل على طريقته بالمقلب الآخر من «الطوق العلوي الشيعي».

ما زالت هناك نقاط عديدة تمنع هذا الطوق من الإرتسام بشكل أكثر كثافة وسماكة، لكنه طوق ينبني أساساً على المعادلة الكيانية التالية: السيطرة على سلسلة جبال لبنان الشرقية (التي يتقاسمها البلدان «الرسميان» لبنان وسوريا) هي التي تؤمّن الوصل بين جبل العلويين وبين جبل عامل، وتؤمّن للنظام السوري استمراره شرق هذا «الطوق» كنظام «يحكم» دمشق فقط في حين يتمثّل بخطوط امداد وتواصل لعملياته العسكرية في الأقاليم الأخرى من الداخل السوري، علماً أن وصلاً جغرافياً أمنياً كثيفاً لمناطق» «الطوق الجامع الفاصل» بدمشق يتطّلب ما هو أكثر بكثير من يبرود واحدة. نحن باختصار، نشهد مرحلة «مركزية سلسلة جبال لبنان الشرقية» في عملية ادارة الحرب السورية والأزمة اللبنانية على حد سواء.

أما «حزب الله» فهو يحقق من طريق هذا «الطوق الشيعي العلوي المشترك» الذي يصل جبل عامل بالسلسلة الشرقية بوادي العاصي بجبل العلويين متغيراً أساسياً في الجغرافيا الطائفية اللبنانية. فقبل ارتسام هذا الطوق، كانت هذه الجغرافيا تتمحور حول «لبّ مسيحي» يشمل أساساً جبل لبنان الشمالي والاقضية المسيحية من الشمال، وهذه منطقة تتمتع بتواصل جغرافي وتجانس ثقافي وديني، خصوصاً بعد ان اجبرت الهزائم المتتالية المسيحيين في سني الحرب على النزوح في اتجاه هذا «المنحسر». 

ورغم التراجع الديموغرافي لنسبة المسيحيين من المسلمين في لبنان بقي هذا الامتياز التواصلي الجغرافي له مكانته، ولو اللاواعية، في الحسابات اللبنانية، لأنه بخلاف ذلك فمناطق السنة والدروز والشيعة متناثرة ومتقطعة على الجغرافيا اللبنانية بشكل أكبر من التناثر الفعلي للمسيحيين. الآن ثمة تعديل في الصورة: حيث ينبثق تواصل طائفي من نوع آخر هو المحقق عسكرياً من جبل عامل حتى جبل العلويين، والذي يؤمن ظهراً مشتركاً لعمليات النظام الأسدي في الداخل السوري ولعمليات «حزب الله» في الداخل اللبناني.

عمليات النظام الأسدي متصلة بحربه مع الفئات الثائرة عليه المنتمية الى النسيج الأكثري العربي السني من المجتمع السوري. لكن ماذا عن عمليات «حزب الله»؟

الحزب أولاً يريد تثمير انجاز هذا الطوق في الداخل اللبناني حتى قبل انتظار اكتمال سماكته وكثافته. هذا له تدبير ميداني بالدرجة الأولى: تطويق عرسال، استنزاف طرابلس، ادارة عمليات أمنية في بيروت كالاشتباك الصباحي بالأمس، وهكذا. المزيد من الغلو في محاكاة الادارات الكولونيالية حيال المناطق السنية. محاولة تصوير الطائفة السنية على انها منقسمة الى ثلاث: «معتدلون» يخوّنون لأنهم يناهضون خط الممانعة لكن يقبل الحزب تشكيل حكومة معهم، وهو يراها «حكومة شراكة» وهم يرونها «ربط نزاع»، و»متطرّفون» يستعيد «حزب الله» المعجم الأميركي ضد الارهاب بحرفيته ضدهم، وتضاف عليه نتفٌ من تراث الفتن والصراع بين الفرق الدينية، وشعارات تنويرية يتبرّع بها «شيوعيو» بشّار الأسد، و»تنويريون» هم «سنّة حزب الله»، أو قل «السنة الوطنيون والعروبيون». مثلاً غاريبالدي، عفواً، شاكر برجاوي.

لكن الحزب لا يكتفي بهذه المعالجة حيال المناطق السنية. فالاستحقاق الرئاسي يقترب، ومعه يقترب طرح السؤال عن «سياسة» الحزب تجاه المسيحيين في مرحلة ما بعد ارتسام طوق جبل عامل - السلسلة الشرقية - وادي العاصي - جبل العلويين، ومرحلة ادارة الاشتعال في المناطق السنية. لكن السؤال السابق عليه هو: هل يشعر المسيحيون بارتسام هذا الطوق، كيف، وبأي شكل، ومتى؟ 

وسام سعادة - المستقبل 24\3\2014

إرسال تعليق

 
Top