0
لم يكن الحريق الذي حصل منذ نحو شهرين في مبنى الضمان الرئيسي، حادثة عابرة بالنسبة الى الأجهزة الامنية والنيابة العامة المالية التي قررت التحقق من الامر لمعرفة خلفيات هذا الحادث، خصوصا انه حصل في مستودع للملفات ومعاملات "براءة الذمة" التي ترفد الضمان بأموال هائلة.

الحريق الذي أفادت الادارة في حينه أن لا خلفيات وراءه، قابله تحقيق للأدلة الجنائية التي يبدو أنها لمست ان الحريق مفتعل لإخفاء معالم جريمة ما ارتكبت في مصلحة براءات الذمة.

منذ تلك الحادثة والضمان مراقب من الأجهزة الامنية، التي أكدت مصادر معنية في الضمان لـ "النهار" أن هذه الاجهزة دست مخبرين بصفة معقبي معاملات للاطلاع عن كثب على ما يجري داخل الضمان ومعرفة حقيقة خلفيات الحريق. وما توصلت إليه الاجهزة من تزوير في معاملات براءة الذمة كان كافيا لمعرفة ان الحريق كان مفتعلا لإخفاء ما كان يقوم به الموظف المتهم في مصلحة براءة الذمة من تزوير في معاملات لمؤسسات عدة بغية اعفائها من دفع اموال للضمان في ذمتها. إذ كان يعطيها براءات ذمة تعفيها من دفع أموال طائلة للضمان كانت قد استحقت عليها مقابل اعطائه مبالغ محددة يتقاسمها مع مكاتب معقبي المعاملات.

ووفق المصادر، فإن الموظف (ر.ق) كان قد استشعر مع المتواطئين معه بخطر ما، فقرروا إحراق كل الادلة من ملفات والاوراق التي تثبت جريمتهم، ولكن الاجهزة الامنية سبقته بتوقيفه، بما أفضى الى اعترافه بما كان ينوي القيام به.

فما حصل أول من أمس من مداهمات في مكاتب معقبي المعاملات ومكاتب لوحات السيارات كان نتيجة التحقيق الذي حصل مع (ر.ق) منذ أيام، الذي كشف عن قيام هؤلاء بالتواطؤ معه بتزوير براءات الذمة لمالكي لوحات السيارات العمومية بغية التهرب من دفع ما يترتب عليهم من متأخرات للضمان. ووفق المعلومات، فإن الاجهزة الامنية كانت قد طلبت من الادارة منذ يومين مصادرة كل الملفات والمستندات من محفوظات براءات الذمة لكي تجري تحقيقا حولها، ولكن المدير العام طلب ايداعه كتابا من النيابة العامة المالية في هذا الموضوع، فكان له ما يريد وبناء عليه تم وضع اليد على كل هذه الملفات في الضمان.

وعلم من مصادر متابعة لمجريات التحقيق أن ملايين الليرات خسرتها خزينة الضمان جراء تزوير معاملات براءة الذمة التي يبدو أنها بدأت منذ أعوام عدة، مشيرة الى ان التحقيق سيشمل موظفين يقيمون في الشمال والبقاع، وسيتوسع كذلك ليشمل شريحة أوسع من موظفين برتب أعلى وخصوصا على صعيد دائرة التفتيش التي يفترض أن تكون العين الساهرة على هذا الصعيد. وعلم كذلك أن التحقيق في هذا الملف انتقل من مدعي عام بيروت بالإنابة القاضية رندة يقظان الى المدعي العام المالي علي ابرهيم.

وأكدت المصادر أن ما حصل من عمليات دهم وتحقيق في الضمان كان بناء على ضوء أخضر من مرجعيات عليا، خصوصا وانه لم يعد جائزا السكوت على ما يجري في الصندوق من اختلاسات من صغار الموظفين الذين أخذوا المضمون رهينة ارتكاباتهم وما يعنيه ذلك من خطر على استمرارية الصندوق بأداء مهمته حيال المضمونين.

قزي: الفساد ليس له طائفة

صحيح أن ما حصل في الضمان كان في فترة تولي وزير العمل سجعان قزي، إلا أن ذلك وفق ما قال لـ "النهار" كان يجب أن يحصل منذ مدة، "لأن مكاتب السمسرة ليست جديدة، وكذلك بعض الموظفين الذين يتواطؤون معها. مع الاشارة الى أن غالبية موظفي الضمان أكفياء ويؤدون دورهم على نحو جيد لتأمين استمرارية الضمان في تأدية دوره تجاه المضمونين".

وما حصل في رأيه يجب أن يكون حافزا لإدارة الضمان ومجلس الادارة والحكومة لإصلاح ما يجب اصلاحه على صعيد الضمان اداريا وتمويليا، وحيال تأمين المكننة وتوسيع دائرة المضمونين للافادة من تقديمات الصندوق.

وفي تفاصيل الحادثة، يروي قزي أن ما حصل الأسبوع الماضي هو نتيجة معلومات تلقتها الجهات الامنية وتحديدا فرع المعلومات عن وجود تواطؤ بين مواطن وموظف لإخراج مجموعة من المستندات المتعلقة ببراءة الذمة لإتلافها خارج الضمان، وفي حال تعذر ذلك يتم احراق الغرفة بكاملها لمحو أثار عمليات تزوير كانت تحصل، ولا سيما على صعيد نقل ملكيات السيارات العمومية. وكشف أنه تم وضع اليد على عدد كبير من اوراق ومستندات تكشف التزوير الحاصل، وما تم التوصل اليه هو نتيجة التحقيقات التي تمت الثلثاء الماضي مع احد الموظفين المتورطين وكنت على علم بها، ولكني آثرت عدم الافصاح عنها لسرية التحقيق ومواصلته بفاعلية وكذلك حتى لا يهرب المتورطون.

وانطلاقا من تجارب سابقة مع ملفات مهمة تمت لفلفتها، أمل قزي في الا تتم لفلفة هذه القضية كما حصل مع ملفات فتحت بطبل وزمر وانتهت في ادراج القضاء، مبديا حرصه على ان لا يفهم كلامه أنه تشكيك في القضاء. ويبدو أنه مصر على الوصول بالملف الى خواتيمه التي تضمن حق الصندوق والمضمونين فيه، إذ يؤكد أنه سيتابع الموضوع حتى النهاية، مع التشديد على أهمية عدم تسييس الملف انطلاقا من اقتناعه بأن الغش والفساد ليس له هوية سياسية أو طائفية بغض النظر عن انتماء الفرد الطائفي أو السياسي.

هل يعتبر هذه الحادثة مدخلا لإصلاح الضمان؟ يلفت قزي الى أن اصلاح الضمان ليس مسؤولية وزير العمل تحديدا، كونه وزير وصاية اضافة الى أن صندوق الضمان ليس مؤسسة تابعة مباشرة من الناحية الادارية. 

فالإصلاح برأيه يجب أن يتم بالتفاهم بين الادارة ووزير الوصاية ومجلس الوزراء خصوصا حيال اعادة النظر بتنظيم الضمان كمؤسسة وكذلك تنظيم عمله اليومي. الى ذلك ثمة أمور أخرى يجب أن توضع في اطار اصلاح الضمان، برأي قزي، ومنها علاقة الضمان مع المواطنين ومكننة اعماله الداخلية والخارجية مع المؤسسات التي لها علاقة بأعماله من مستشفيات وصيدليات واطباء وغيرهم وكذلك وزارة العمل. 

والاهم هو تجديد دم الادارة ورفدها بعناصر جديدة مؤهلة لأن الانتاجية في الضمان هي أقل بكثير من عدد الاجتماعات. ولا ينسى قزي الاشارة الى اهمية توسيع مروحة المضمونين الذين يفيدون من تقديماته "إذ لا يجوز أن تبقى الرتابة الادارية تشكل عاملا سلبيا ضد اتخاذ قرارات لضم مضمونين جدد الى الصندوق. وشدد على اهمية ضرورة اخراج مشروع ضمان الشيخوخة من ادراج مجلس النواب ووضعه موضع التنفيذ.

رغم العمر القصير للحكومة، يؤكد قزي أن هذه المواضيع ستكون في أولوية اهتماماته... "صحيح أنه لا يمكنني تحقيق كل هذه الامور ولكن على الاقل سأهز هذه الشجرة الجامدة منذ أعوام".

الى ذلك، اوضحت ادارة الضمان في بيان، " ان انتشار القوى الامنية تم على خلفية تحقيق المراجع القضائية والامنية المختصة بتهمة ارتكاب احد مستخدمي الصندوق، الموقوف لديها، مخالفة تتعلق بمعاملات براءة الذمة"، وأكدت "ان العمل في الصندوق يتم بصورة طبيعية في مركزه الرئيسي وفي كل مكاتبه".

سلوى بعلبكي - النهار 24\3\2014

إرسال تعليق

 
Top