أنت تعرف، أيها الملاك، أن لكل انسان منازل ثلاثة: جسده، بيته ووطنه.
في ما يخص جسدي، صرت أقرف منه إلى درجة الكره. وهو يبادلني الشعور نفسه. تعرف أنه ليس في امكاني خرطشة مسدسي وحدي، فأنا بحاجة إلى مساعدة، اذا ما اشتهيت وضع نهاية لوجودي على هذه الكرة الارضية، لا طمعاً بسماء. فمدّ يدك وخذني الى أي مكان تراه مناسباً، قصاصاً أكان ذلك، أم مكافأة.
أما بيتي فأنا ضجران منه، ولا تُشعرني به إلاّ اطلالات اولادي وأحفادي عليّ، مع من بقي من عائلتي واصدقائي المقربين. فأرجو أن لا تطول مرحلة تقاعدي كي لا يطول ضجري، معتبراً ان الحياة قصاص، فكلما طالت طال القصاص. لذلك عندما ألتقي بمن يقول لي ببراءة "الله يطوّل بعمرك"، أجيبه "الله يطوّل بعمرك أنت ويحسم من عمري".
اما المنزل الثالث، الوطن، فحدِّث ولا حرج. اعود الى هذا المنزل، ولكن قبلاً، وخلال استراحة قصيرة لي، ادير مفتاح الراديو فاذا المحطة لإحدى الطوائف، فأسمع كلاماً لرجل دين يهاجم يوم المرأة العالمي الذي تظاهرت فيه نساء لبنان منذ أيام قليلة، ضد تعنيف المرأة. فلا تنس أيها الملاك ان للناقة في بعض الدول العربية احتراماً اكثر مما للمرأة. وكان قصد كلام صاحب السيادة التأكيد ان بدعة مساواة المرأة بالرجل هي اختراع صهيوني، كما كل العقائد التي تحارب الدين المنتمي اليه، واستند رجل الدين الى بعض ما جاء في الكتاب مثلا: يجوز للرجل أن يضرب زوجته شرط ان لا يترك أثر احمرار على جسدها (لا ادري إن كان خنقها بمنديل حرير مسموحاً به).
فيا سيدي الملاك، أطلب من سيدك أن يفسر لنا ماذا يجري، هو العارف بكل شيء. وإن كنت لا تجرؤ على مكالمته، فأرجوك ان تمسك بيدي وترميني بعيداً عن هذا الزمن الى زمن الوثنية حيث كان هنالك إله للحب، وإله للحرب، وإله يشفي المرضى.
لا أدري كيف ان إلهاً واحداً في هذا الزمن يلحّق على كل شيء وعلى كل أصناف البشر ومعتقداتهم. فإن كنت لا تجرؤ يا سيدي الملاك أن تسأله هذا السؤال، هو الذي صار عنده أحزاب في كل بقاع الارض، فرجائي أن تتيح لي أن أطرح السؤال بنفسي. ففي افريقيا هناك قبيلة "حزب الرب" وهي قبيلة مسيحية تقتل القبائل الاخرى التي ليست من دينها ولا تؤمن بعقيدتها. وكما في افريقيا كذلك في الوطن الذي هو منزلي الثالث، هناك قبيلة تدّعي انها حزبه وتحاول ابتلاع الوطن كله بما فيه كل القبائل التي لا تؤمن بعقيدتها.
فارحمني أيها الملاك يرحمك الله.
ريمون جبارة - النهار 22\3\2014
إرسال تعليق