0
اذا كان «النصر المؤزر» للنظام السوري قد تحقق فعلاً، كما قال هذا النظام وحليفه «حزب الله» عن غزوتهما ليبرود وقلعة الحصن، فماذا عساهما يقولان عن الغارات الجوية المكثفة والاعتداءات بالمدفعية والدبابات على قرى عكار والبقاع الشمالي اللبنانية مباشرة بعد احتفالهما بهذا «النصر»؟. 

واذا كان الهدف ملاحقة الفارين من المعركة، مسلحين ومدنيين ونساء وأطفالاً وشيوخاً، ألا يعرف الحليفان «الاستراتيجيان» أن تعمد ملاحقة الهاربين من الحرب وقتلهم «جريمة موصوفة» وفق أدنى المعايير الأخلاقية ومبادئ حقوق الانسان فضلاً عن القواعد المعترف بها والمتبعة في أثناء الحروب؟. واذا كانا يصفان هذا «النصر» بأنه أقفل أبواب الجحيم بين سوريا ولبنان، ويقصدان بذلك السيارات المفخخة وقادتها من الانتحاريين الارهابيين، فلماذا يواصلان بعده مسلسل اعتداءاتهما على لبنان وقصفهما لأراضيه بهذا الشكل اليومي؟.

لكن لا يهم، فالنظام السوري لم يراع يوماً وعلى امتداد ثلاثة أعوام كاملة أياً من هذه المعايير. أكثر من ذلك، فلم يعد أحد يشك في أن خرقها كان في صلب تكتيكات النظام في تعامله مع الشعب السوري منذ اليوم الأول للثورة في مثل هذا الشهر من العام 2011. تسريب فيديوات الضرب المبرح للثوار على أيدي جلاوذة النظام، وبث شرائط دفنهم وهم أحياء وسط صيحات الشبيحة في وجوههم بأن يهتفوا قبل موتهم أن «لا اله الا الأسد» أو «الأسد أو نخرب البلد»، والتهديد بأن هذا سيكون مصير كل من ينشق عن الجيش والدولة، كانت «القاعدة» التي مارسها النظام وشبيحته وأعوانه وحلفاؤه من «الحرس الثوري الايراني» و«حزب الله» وكتائب «أبو الفضل العباس» على الدوام.

لا جديد لهذه الجهة، ولا كذلك في ما يتصل بحرب التجويع التي مارسها هؤلاء ضد مدن وبلدات وقرى سورية بأكملها، أو بالتدمير العشوائي بواسطة البراميل المتفجرة تلقى من الطائرات النفاثة والأسلحة الكيميائية تستخدم من دون تمييز بين مسلح ومدني، أو بعد ذلك بما تؤكده تقارير اعلامية واستخباراتية دولية عن اعدام سجناء بدم بارد ومن دون محاكمة.

مائة وخمسون ألف قتيل ونحو مليون جريح حتى الآن، وملايين المشردين في الداخل ودول الجوار، ومئات آلاف السجناء والمعتقلين والمفقودين، فهل يضيف الى ذلك شيئاً قتل مائة أو مائتين أو أكثر من الفارين من الحرب بغارات جوية عليهم في داخل سوريا أو حتى في داخل لبنان؟.

الجديد/القديم هنا، أن الهدف مرة أخرى هو لبنان، وأن ما سعى اليه نظام الأسد في لبنان في الأعوام السابقة ما يزال هو هو من دون تعديل: اعادة اشعال الحرب الأهلية فيه، ليقال أولاً ان ما يسمى بالارهاب التكفيري الناشط في سوريا الآن هو أحد تداعيات الحرب الطائفية والمذهبية التي ضربت لبنان وما تزال، وثانياً ان لا حل لهذه الحرب، وتالياً للارهاب في البلدين، الا باطلاق اليد السورية فيه مجدداً كما كانت الحال خلال ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته الى أن أنهي في العام 2005 ما كان يعرف بـ «التوكيل» الدولي بالمهمة بفرض جلاء القوات السورية منه.

هل كانت مؤامرة ميشال سماحة/علي المملوك التفجيرية بين الطوائف والمناطق اللبنانية الا في هذا السياق؟. وهل كانت حرب جبل محسن باب التبانة الدورية (20 جولة حتى الآن) خارجه، وقد قال أحد أمرائها رفعت عيد صراحة وعلناً ان لا حل لها الا بعودة القوات السورية الى المدينة، وحتى الى لبنان كله؟. بل هل كانت الاعتداءات المجهلة الفاعل والمتكررة على حواجز ومراكز الجيش والقوى الأمنية في بيروت وصيدا والبقاع والشمال والجبل، ثم افتعال صدامات بينها وبين الأهالي في هذه المناطق، الا من أجل هذا الهدف؟. وأكثر، هل كانت الاغتيالات ومحاولات الاغتيال والسيارات المفخخة وعمليات الخطف للبنانيين والاجانب، في مقابل فدية أو من دونها، بعيدة عن هذه الغاية؟.

أياً يكن، فلا حاجة الى التذكير بأن الأسد الذي تبرع قبل أيام بتوصيف الرئيس اللبناني المقبل على أنه ينبغي أن يكون «ممانعاً»، والذي يحرص بين فترة وأخرى على تسريب أفكاره وآرائه حول لبنان الحاضر والمستقبل، انما يشن حربه في لبنان وعليه بالقدر نفسه، وطبعاً بالأسلوب نفسه، الذي يشن فيه حربه في سوريا بالتحالف مع روسيا وايران و«حزب الله» وبقية شركائه الآتين من العراق واليمن وباكستان وأفغانستان وغيرها.

وحرب الأسد في لبنان في المرحلة الحالية تتوزع على عدة محاور كما يأتي:

أولاً، محاولة تطويق حكومة الرئيس تمام سلام ودفعها في الوجهة التي تتلاءم مع حرب الأسد ضد شعبه، ان على مستوى تورط «حزب الله» المباشر في هذه الحرب، أو على مستوى تعاطيها مع نحو مليون نازح يعتبرهم نظام الاسد كلهم «ارهابيين» و«تكفيريين». ولعل ما شهدته جلستا مناقشة بيان الحكومة الوزاري من «دفاع» عن هذا النظام من قبل بعض أتباعه اللبنانيين، بعد عمليات الشد والجذب التي رافقت عملية تشكيلها على امتداد نحو عام، يكشف جانباً مما يضمره النظام السوري وحلفاؤه اللبنانيون تجاه هذه الحكومة مستقبلاً.

ثانياً، محاصرة انتخابات رئاسة الجمهورية خلال الشهرين المقبلين بالصفة التي طرحها الأسد لرئيس لبنان المقبل (رئيس ممانع؟!) واستخدام كل ما يلزم من أسلحة سياسية وحزبية وطائفية («حزب الله» و«أمل» وحلفاؤهما) وأسلحة نارية في الداخل وعلى الحدود من أجل هذه الغاية... أو أقله لمنع انتخاب رئيس يقف في وجه خطته وخطة حلفائه المحليين والاقليميين في لبنان.

ثالثاً، استخدام لغم النازحين السوريين في لبنان، سواء انتهت الحرب في بلدهم غداً أم لا، عامل تفجير طائفي وحتى اقتصادي واجتماعي فيه، بما يتفق مع مساعي النظام على امتداد العقود السابقة لابقائه أسير سياساته في الداخل اللبناني من جهة وفي بازار المساومة عليه في المنطقة وفي العالم من جهة ثانية.

هكذا كان «لبنان» السوري في زمن الوصاية، وهكذا يبقى الآن من وجهة نظر النظام في دمشق، وان يكن في الحال الراهنة بسبب وعلى أيدي أتباعه فيه.

محمد مشموشي - المستقبل 23\3\2014

إرسال تعليق

 
Top