كتب ابراهيم كنعان - هل باتت الحكومات والمجالس النيابية وحتى رئاسة الجمهورية مجرّد مواقع إدارية وتقنية لا رؤيا لديها ولا سياسة، سوى ابتكار المعادلات السلطوية الفارغة مثل «المداورة» و»الميثاقية» و»السيادية» من أجل تحاصُص السلطة من دون أيّ اعتبار لدستور أو أصول، والأهمّ من كلّ ذلك، من دون اعتبار لعِلّة وجود أيّ سلطة في أيّ نظام ديموقراطي: أي الرؤيا والبرنامج؟
السيادة، ومرجعية الدولة
مسألة السيادة ومرجعية الدولة بقواها الشرعية، وعلى رأسِها الجيش اللبناني، وتحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، ومقاومة أيّ عدوان عليها، أخذت خلال عقدين من الزمن أشكالاً وتفسيرات عديدة من القوى السياسية وفق تحالفاتها ومواقعها. إلّا أنّ القاسم المشترك في ما بينها كان الجيش اللبناني، وإن كان الإقرار بذلك في بعض الأحيان شكليّاً لدى البعض ومشروطاً لدى البعض الآخر...
فقد شكّل إخراج العدوّ الإسرائيلي من لبنان في أيار 2000 منطلقاً لمطالبة البعض بوضع كلّ السلاح تحت سلطة الدولة، بما فيه سلاح المقاومة. وقد تزايدت هذه المطالبة بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في نيسان من العام 2005.
إنّما لم تتلاقَ هذه الدعوات مع الواقع اللبناني، ولم تترافق مع عمل جدّي لبناء الدولة، حيث لم يتمّ تسليح الجيش اللبناني بشكل يمكّنه من استكمال تحرير الأرض والدفاع عنها وبسط سلطة الدولة على كامل التراب اللبناني، وحيث ما زالت المخيّمات الفلسطينية مدجّجة بالسلاح الذي تمّ استعماله أثناء الحرب اللبنانية ضد الدولة، وحيث ما زالت المؤامرات الهادفة إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم قائمة، وآخرُها على لسان بنيامين نتنياهو الذي ربط السلام بإلغاء حقّ العودة، فضلاً عن تهجير السوريين بأعداد هائلة الى لبنان.
لقد أسهمت عوامل إقليمية ودولية، كانفراط عقد ثنائية «السين - سين» المتوّجة بغطاء أميركي، في قيام اصطفافات داخلية جديدة أدّت إلى انقسام عامودي حادّ في لبنان كان ممكناً له أن يفجّر البلد، لكنّ التفاهم الذي أقامه «التيار الوطني الحر» مع حزب الله في مطلع العام 2006 ساهمَ بشكل أساسيّ بمَنع ذلك.
فالسيادة التي تتبلور في مرجعية الدولة ليست شعاراً يُرفع في المناسبات، وإنّما هي عمل دؤوب يبدأ باستكمال بناء القوى الشرعية القادرة وبإقامة دولة القانون والمؤسّسات.
الشراكة والميثاقية
إنّ إقامة دولة القانون والمؤسسات لا تتمّ إلّا على أساس الشراكة الفعلية وعلى مبادئ الميثاق الوطني الذي ارتضاه مسلمو لبنان ومسيحيّوه صيغةً للعيش معاً، بحيث لا يطغى طرف على آخر، ولا تنتقص جماعة من حقوق جماعة أخرى.
من هنا تتأتّى الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية يتمتّع بالقوّة التمثيلية في طائفته، وقادر على بثّ الطمأنينة في نفوس أبنائها، وعلى طمأنة الشريك الآخر في حاضره ومستقبله.
ومن هنا تتأتّى الدعوة إلى إقرار قانون لانتخاب أعضاء المجلس النيابي على أساس المناصفة الفعلية وصحّة التمثيل اللذين تبيَّن أنّ مشروع القانون المعروف بالقانون الأرثوذكسي هو القادر على توفيرهما على الوجه الأكمل.
ومن هنا تتأتى الدعوة إلى قيام حكومة سياسية جامعة على أساس نسبة التمثيل في المجلس النيابي، ورفض بِدع حكومات التكنوقراط وحكومات الأمر الواقع.
ومن هنا تتأتّى الدعوة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في مواعيدها الدستورية.
ومن هنا تتأتّى الدعوة إلى عدم التمديد في أيّ موقع تمثيلي أو وظيفي، والدعوة إلى تجنّب حصول الفراغ في أيّ موقع تمثيلي أو وظيفي لتأمين تداولٍ سليم للسلطة.
ومن هنا تتأتّى الدعوة إلى المناصفة في تولّي الوظائف العامّة. ومن هنا تتأتّى الدعوة إلى الإنماء المتوازن وإلى اللامركزية الإدارية الموسّعة وتعزيز التنمية المحلية.
المحاسبة
وتتعذّر إقامة دولة القانون والمؤسسات إن لم تقترن بالشفافية والمحاسبة على كلّ صعيد:
محاسبة على الصعيد السياسي، حيث يخضع النائب لمحاسبة الشعب في صندوق الاقتراع على أساس برنامجه الانتخابي وما حقَّقه منه.
ومحاسبة على الصعيد الحكومي، حيث تخضع الحكومة لمساءلة المجلس النيابي، فتُمنح الثقة على أساس بيانها الوزاري وما تضمَّنه من خطط عمل وبرامج للتنفيذ، وتحاسَب دوريّاً على أساس ما أنجزته من بيانها الوزاري، وما التزمته من قوانين وأنظِمة، ولا سيّما على صعيد القوانين الماليّة:
- فلا ينسجم بناء دولة القانون والمؤسسات مع استمرار عدم وضع موازنة عامة للدولة لمدة تزيد على عشر سنوات.
- ولا يصح أن لا تصدر الحسابات الماليّة المدقّقة منذ أكثر من عشرين عاماً.
- ولا يصح أن لا تلتزم الحكومات بموجب إعداد الحساب عمّا أنفقته سنويّاً، وعن مدى التزامها بأحكام القوانين الماليّة النافذة في إنفاقه.
- ولا يصح أن تتغاضى الحكومات عن تنامي الدين العام إلى ما يزيد على سبعين مليار دولار، سواءٌ أكانت كاملة الصلاحية أم تصرّف أعمال...
ومحاسبة على الصعيد الوظيفي، بحيث يُصار إلى إعمال مبدأ الثواب والعقاب، فيكافَأ المنتج والمبدع، ويعاقَب المقصّر والمهمل والفاسد.
ومحاسبة على الصعيد الاجتماعي، بحيث يجرّم المتلاعبون بصحة المواطنين والمعتدون على البيئة والفاسدون والمفسدون في المجتمع.
وبعد،قد يتساءل البعض عمّا إذا كانت ثلاثية الإصلاح، أي السيادة والشراكة والمحاسبة، ممكنة.
فلهؤلاء نقول إن لم تكن ثلاثية الإصلاح ممكنة، في عهد رئاسيّ قادر وجديد، فالمشكلة إلى تفاقم على الصُعد كافّة، وقيامة لبنان عندئذ، مستحيلة...
السيادة، ومرجعية الدولة
مسألة السيادة ومرجعية الدولة بقواها الشرعية، وعلى رأسِها الجيش اللبناني، وتحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، ومقاومة أيّ عدوان عليها، أخذت خلال عقدين من الزمن أشكالاً وتفسيرات عديدة من القوى السياسية وفق تحالفاتها ومواقعها. إلّا أنّ القاسم المشترك في ما بينها كان الجيش اللبناني، وإن كان الإقرار بذلك في بعض الأحيان شكليّاً لدى البعض ومشروطاً لدى البعض الآخر...
فقد شكّل إخراج العدوّ الإسرائيلي من لبنان في أيار 2000 منطلقاً لمطالبة البعض بوضع كلّ السلاح تحت سلطة الدولة، بما فيه سلاح المقاومة. وقد تزايدت هذه المطالبة بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في نيسان من العام 2005.
إنّما لم تتلاقَ هذه الدعوات مع الواقع اللبناني، ولم تترافق مع عمل جدّي لبناء الدولة، حيث لم يتمّ تسليح الجيش اللبناني بشكل يمكّنه من استكمال تحرير الأرض والدفاع عنها وبسط سلطة الدولة على كامل التراب اللبناني، وحيث ما زالت المخيّمات الفلسطينية مدجّجة بالسلاح الذي تمّ استعماله أثناء الحرب اللبنانية ضد الدولة، وحيث ما زالت المؤامرات الهادفة إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم قائمة، وآخرُها على لسان بنيامين نتنياهو الذي ربط السلام بإلغاء حقّ العودة، فضلاً عن تهجير السوريين بأعداد هائلة الى لبنان.
لقد أسهمت عوامل إقليمية ودولية، كانفراط عقد ثنائية «السين - سين» المتوّجة بغطاء أميركي، في قيام اصطفافات داخلية جديدة أدّت إلى انقسام عامودي حادّ في لبنان كان ممكناً له أن يفجّر البلد، لكنّ التفاهم الذي أقامه «التيار الوطني الحر» مع حزب الله في مطلع العام 2006 ساهمَ بشكل أساسيّ بمَنع ذلك.
فالسيادة التي تتبلور في مرجعية الدولة ليست شعاراً يُرفع في المناسبات، وإنّما هي عمل دؤوب يبدأ باستكمال بناء القوى الشرعية القادرة وبإقامة دولة القانون والمؤسّسات.
الشراكة والميثاقية
إنّ إقامة دولة القانون والمؤسسات لا تتمّ إلّا على أساس الشراكة الفعلية وعلى مبادئ الميثاق الوطني الذي ارتضاه مسلمو لبنان ومسيحيّوه صيغةً للعيش معاً، بحيث لا يطغى طرف على آخر، ولا تنتقص جماعة من حقوق جماعة أخرى.
من هنا تتأتّى الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية يتمتّع بالقوّة التمثيلية في طائفته، وقادر على بثّ الطمأنينة في نفوس أبنائها، وعلى طمأنة الشريك الآخر في حاضره ومستقبله.
ومن هنا تتأتّى الدعوة إلى إقرار قانون لانتخاب أعضاء المجلس النيابي على أساس المناصفة الفعلية وصحّة التمثيل اللذين تبيَّن أنّ مشروع القانون المعروف بالقانون الأرثوذكسي هو القادر على توفيرهما على الوجه الأكمل.
ومن هنا تتأتى الدعوة إلى قيام حكومة سياسية جامعة على أساس نسبة التمثيل في المجلس النيابي، ورفض بِدع حكومات التكنوقراط وحكومات الأمر الواقع.
ومن هنا تتأتّى الدعوة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في مواعيدها الدستورية.
ومن هنا تتأتّى الدعوة إلى عدم التمديد في أيّ موقع تمثيلي أو وظيفي، والدعوة إلى تجنّب حصول الفراغ في أيّ موقع تمثيلي أو وظيفي لتأمين تداولٍ سليم للسلطة.
ومن هنا تتأتّى الدعوة إلى المناصفة في تولّي الوظائف العامّة. ومن هنا تتأتّى الدعوة إلى الإنماء المتوازن وإلى اللامركزية الإدارية الموسّعة وتعزيز التنمية المحلية.
المحاسبة
وتتعذّر إقامة دولة القانون والمؤسسات إن لم تقترن بالشفافية والمحاسبة على كلّ صعيد:
محاسبة على الصعيد السياسي، حيث يخضع النائب لمحاسبة الشعب في صندوق الاقتراع على أساس برنامجه الانتخابي وما حقَّقه منه.
ومحاسبة على الصعيد الحكومي، حيث تخضع الحكومة لمساءلة المجلس النيابي، فتُمنح الثقة على أساس بيانها الوزاري وما تضمَّنه من خطط عمل وبرامج للتنفيذ، وتحاسَب دوريّاً على أساس ما أنجزته من بيانها الوزاري، وما التزمته من قوانين وأنظِمة، ولا سيّما على صعيد القوانين الماليّة:
- فلا ينسجم بناء دولة القانون والمؤسسات مع استمرار عدم وضع موازنة عامة للدولة لمدة تزيد على عشر سنوات.
- ولا يصح أن لا تصدر الحسابات الماليّة المدقّقة منذ أكثر من عشرين عاماً.
- ولا يصح أن لا تلتزم الحكومات بموجب إعداد الحساب عمّا أنفقته سنويّاً، وعن مدى التزامها بأحكام القوانين الماليّة النافذة في إنفاقه.
- ولا يصح أن تتغاضى الحكومات عن تنامي الدين العام إلى ما يزيد على سبعين مليار دولار، سواءٌ أكانت كاملة الصلاحية أم تصرّف أعمال...
ومحاسبة على الصعيد الوظيفي، بحيث يُصار إلى إعمال مبدأ الثواب والعقاب، فيكافَأ المنتج والمبدع، ويعاقَب المقصّر والمهمل والفاسد.
ومحاسبة على الصعيد الاجتماعي، بحيث يجرّم المتلاعبون بصحة المواطنين والمعتدون على البيئة والفاسدون والمفسدون في المجتمع.
وبعد،قد يتساءل البعض عمّا إذا كانت ثلاثية الإصلاح، أي السيادة والشراكة والمحاسبة، ممكنة.
فلهؤلاء نقول إن لم تكن ثلاثية الإصلاح ممكنة، في عهد رئاسيّ قادر وجديد، فالمشكلة إلى تفاقم على الصُعد كافّة، وقيامة لبنان عندئذ، مستحيلة...
نائب لبناني - الجمهورية 13-3-2014
إرسال تعليق