0
كتب ايلي الفرزلي - «التيار الوطني الحر» في حالة ضياع. ما يخفيه معظم نوابه تقوله قياداته الحزبية. لا خطاب واحدا يخرج به أهل «التيار» على جمهورهم أولاً وعلى القوى السياسية ثانياً. ما صدر من انعطافات عونية لم يكن أحد في جوه. ولأن لا منظومة حزبية تتخذ القرار أو تناقشه أو حتى تعممه، فإن القيادات الوسطى لم تعد تملك سوى انتظار المقابلات التلفزيونية أو التصريحات الإعلامية لتكررها أمام المؤيدين والمنتسبين الذين ما يزالون يعيشون «الحلم القديم».
 
لا أحد يشك في «التيار» أن لـ«أبيهم الروحي» العماد ميشال عون كل الحق في السعي للوصول إلى سدة الرئاسة. هم أصلاً يعتبرون أن الكرسي الأول لطالما كان يسعى وراء عون لا العكس. مع ذلك، فإن الخلاف ينشب حول الوسيلة الأجدى للوصول إلى «الغاية الأنبل».
 
الشرخ يكبر بين القيادات الوسطى والقاعدة من جهة، وبين النواب والوزراء من جهة أخرى. الفئة الأولى بمعظمها تمارس العمل الحزبي بلا كلل، وتطمح، من ضمن المؤسسة، لتسلق أدراج الحزب وصولاً إلى النيابة أو الوزارة، انطلاقاً من كون الطموح حقا مشروعا لمن حمل «التيار» على أكتافه يوم كان «عون راجع». أما الفئة الثانية، فهي في معظمها أيضاً تسعى للحفاظ على الموقع الذي وصلت إليه، عبر طريق الرابية السريع، لا عبر طريق التدرج الحزبي الوعرة.
 
وإذا كان كثر مستعدين لتقديم أطروحة في تأييد الخيار العوني الجديد من النواب، مبدين قدرات كبيرة في التأقلم السياسي، فإن ذلك يبدو أكثر صعوبة لدى قيادات «التيار»، التي تتراكم فوق رأسها الصدمات وبالكاد تجد الوقت لإيجاد مبرر لها. هذه القيادات لم «تبلع» توزير الياس أبو صعب كممثل وحيد للتيار في الحكومة (بعيداً عن الكرسي الثابت لجبران باسيل)، حتى تعرف كيف تتعامل مع دور «حمامة السلام».
 
وإذا كان أفضل الحلول بالنسبة لهؤلاء هو الابتعاد عن الواجهة وانتظار انتهاء العاصفة لإحصاء خسائرها، فإن براغماتية النواب سمحت لهم بالتعامل سريعاً مع المتغيرات الجديدة.
 
يوم التقى عون الرئيس سعد الحريري لم يكن أحد من النواب قادراً على تأكيد أو نفي اللقاء. وعندما انتشرت أخبار عن زيارة قريبة لعون إلى السعودية لم يكن أحد أيضاً قادراً على تأكيد أو نفي الزيارة. ومع ذلك، فإن كثراً، ممن لا يؤخذ رأيهم بالقضايا الكبرى، لا يجدون صعوبة باستكمال الطريق التي بدأها عون وجبران باسيل. ومن كان يرشق «المستقبل» ليلاً نهاراً بشتى التهم ويعتبر أن العدالة لا تتحقق إلا بدخول المسؤولين عن الحقبة المالية السابقة إلى السجن، صار اليوم أكثر هدوءاً في مقاربته للملفات الخلافية.
 
كل من يلتقي ناشطين ونوابا في «التيار الوطني الحر» لا يجد صعوبة في تمييز خطابين. الأول علني لا يخرج عن موقف الرابية، وآخر محصور في الغرف المغلقة لا يوفر الرابية نفسها من النقد اللاذع، مع التركيز على الساكن الجديد لقصر بسترس.
 
يوم أطل باسيل في «كلام الناس»، لم يكن للعونيين ما يقولونه. لا يشبه باسيل الوسطي «باسيلهم» السابق. أما النواب، فقد تكفلوا بتوضيح الصورة ودوزنتها. لم يتأخر ابراهيم كنعان ليخرج عبر البرنامج نفسه، معلناً تمسك «التيار» بكل أدبياته السابقة. تمسك كنعان بكل كلمة كتبت في «الإبراء المستحيل»، فاصلاً بين الموقف السياسي والأخطار الكبيرة التي تهدد لبنان ومؤسساته والتي تحتم البحث عن مساحة مشتركة مع الجميع.
 
ألان عون وسيمون أبي رميا يبديان ارتياحهما لصورة «التيار» الجديدة. الأول يراها أقرب إليه، هو الذي لم يعتد القطع مع أحد برغم الخلافات السياسية، والثاني يفاخر بمساعي «التيار» للمّ شمل العائلة اللبنانية. الاثنان يؤكد أن الثوابت لم تتغير، فالتحالفات راسخة ودعم المقاومة أيضاً.
 
ثمة من توقف مطولاً عند تجربتي باسيل في مناقشة البيان الوزاري وفي مجلس وزراء الخارجية العرب، ليخلص إلى أن التغيير طال هذه الثابتة أيضاً. وإذا نأى باسيل بنفسه عن أن يكون طرفاً في النقاش، فإن خطابه في الجامعة العربية طرح الكثير من التساؤلات. إذ كيف يتنازل من يؤكد دعم المقاومة عن حق اللبنانيين في تحرير أرضهم، مكتفياً بحق لبنان، وكيف يسعى إلى تجهيل المحتل، فلا يشير إلى إسرائيل بالاسم، قبل أن يعود ويصحح خطابه في اللحظات الأخيرة.
 
يراقب تيار «المستقبل» تحولات خصمه السابق مبتسماً. يردد نوابه «هم غيّروا ونحن لم نغيّر»، مؤكدين أن لقاء عون ـ الحريري كان أساسه الحكومة والتأكيد على ضرورة إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده فقط.
 
حلفاء «التيار» يتعاملون مع التغيير الحاصل بهدوء. يسمعون التطمينات، ويقولون «إذا أوصل هذا المنحى عون إلى رئاسة الجمهورية، فهذا مكسب لنا». وبالرغم من أن بعض النواب العونيين يرفض ربط التقارب مع «المستقبل» بالرئاسة، مذكراً بأن ذلك كان أبرز مقررات خلوة بيت مري، إلا أن قياديين في «التيار» يميزون بين التواصل مع الآخرين وتغيير الخطاب.
 
لعشرات الأسباب، يبدو العونيون وحلفاؤهم واثقين أن حلم الرئاسة سيبقى حلماً، إلا أن في «التيار» من يجد أن الوصول إلى الرئاسة يستحق المغامرة، مشيراً في المقابل، إلى ضرورة وجود من يبقي خط العودة مفتوحاً، بحيث يكون قادراً على حصر الأضرار.. إذا آلت الرئاسة إلى غير الجنرال.

السفير 14\3\2014

إرسال تعليق

 
Top