0
عدّاؤون كثر، من بينهم زعماء كتل ووزراء ونواب ورؤساء سابقين، الاستحقاق داهم، والمحرقة "حاضرة ناضرة"، ومن يفوز بسدة الرئاسة يصل اليها على حصان ابيض مع التصفيق.. والاجماع.. ورش الارز.. والبقلاوة. 

انما، العد العكسي يبدأ من السنة الثالثة من ولاية الرئيس، تهشيم واستهداف وتطاول يأخذ بطريقه الرئيس والكرسي والموقع معاً دون هوادة هذه القصة_الاسطورة، انطلقت مع فجر الاستقلال، فساورت من كان تواقاً الى منصب الرئاسة، هو عزّ دون شك، لكن الرئيس يحمل همّ قسم اليمين ومسؤولية الحكم والسهر على تطبيق الدستور والقوانين المرعية، والدفاع عن مقام الرئاسة بل ايضاً عن الموارنة الذين كان المنصب حكراً لهم منذ فجر الاستقلال، لكن، من يطلق السهام على الرئيس دوماً، أهم الطامحون أم الغيارى أم ذوي المصالح الشخصية والحزبية، وهل أي من هؤلاء قادر على تحمل المسؤولية وضبط الامن والاستقرار وتحسين شروط العيش والضرب بيد من حديد حيث رخاوة الحكم وضبط الفساد واقتلاع جذوره أم هو ما ان يدخل الباب حتى يباشر من له مصلحة باقتياده الى النافذة لاخراجه منها؟ 

ألم تُعلِّم هؤلاء تجارب الحكم انطلاقاً من تولي الحقائب الوزارية وفشلهم بادارتها، أن رئاسة الجمهورية في لبنان لم تكن يوماً "أكلة قشطة" بل محاطة بحزام ناسف ومستهدفة من قبل القوى السياسية الفاعلة في لبنان باستثناء من تكون هي القاعدة التي انتمى اليها الرئيس؟ 

ألم يقتنع هؤلاء أن رحيل الجيش السوري عن لبنان لم يقضِ على التدخلات الاجنبية، بل زادتها حدّة، أولى شواهدها طريقة تكليف الرئيس تمام سلام لترؤس الحكومة وكيفية الضغط على الوزراء الحاليين لتمرير البيان الوزاري. 

منذ عهد الرئيس بشارة الخوري مروراً بعهد الرئيس شهاب والرئيس شمعون وكافة الرؤساء الذين تعاقبوا على سدة الرئاسة، لم يكن لبنان سوى حلبة صراع بين المحاور الاقليمية والدولية حيث ينشط سفراء هذه الدول لاعبين أدواراً متقدمة في ما تؤيد دولهم أو ما تعارض، وهل من هو مرشح للرئاسة اليوم وهو منتمياً الى احدى القوتين السياسيتين الرئيسيتين مقتنع بأن صراعاً اضافياً سيولد عند فوزه برئاسة الجمهورية اذ أن الانتقام والتشفي بخصومه السياسيين سيتضاعف حكماً وسيلجأ الى كافة الوسائل الكيدية متدخلاً للاطاحة باي موظف في اية ادارة لا يشاطره رأيه السياسي، كما أن بالمقابل سيلجأ من ينتمي إلى خصومه السياسيين لمحاربته ووضع العصي في طريقه على خلفية انتخابه من طرف معين وان سيلاً من المرشحين اليوم أتحفونا بكيديتهم لدى تولي وزارات في الحكومات الاخيرة، وهو ما لا يبشر بالخير اطلاقاً بل يجنح نحو الانتقام والظلم ويؤدي الى حرب جديدة نحن بغنى عنها. 

هل الهواجس تلك نابعة من نظامنا الطائفي والمذهبي، ام عن حقد أنتجته الحرب اللبنانية، والاصطفاف الحاد بين افراد مجتمعه فتمسي الرئاسات حكراً على أطراف معينة، بحيث يشعر هذا أن رئاسة الحكومة تعود اليه حصراً أما الثاني فيعتبر رئاسة الجمهورية منصب حكراً له، فيما يظن ثالث أن رئاسة مجلس النواب من حقه حصرياً وهكذا تنشأ المحسوبيات والتوظيفات فيجد المواطنون انفسهم مضطرين لاعلان الولاء لهذا أم ذاك من السياسيين؟ 

رحم الله فخامة الرئيس الياس سركيس، وصل الى الكرسي في العام 1976 ولم يبارحه حتى العام 1982 عند انتهاء ولايته، كانت حرب مدمرة آنذاك وبقي القصر الجمهوري طوال السنوات الست يشهد على صفير القذائف التي كانت تمرّ فوق القصر الرئاسي والصواريخ ودوي الانفجارات أولى مراحلها احتدام المعارك بين الجيشين اللبناني والسوري على بعد كيلومتر واحد من القصر الجمهوري (قرب المدرسة الحربية)، لم يكن يملك لا كتلة نيابية ولا حزباً ولا مالاً، ولا دعماً خارجياً حتى، لكن فقط شخصية يشهد لها بالصدق والنزاهة والاستقامة. 

انها شروط غير كافية للضرب بيد من حديد، وربما كان هذا الامر مطلوب من الدول الكبرى.. أسماء كثيرة تضخ عبر وسائل الاعلام كمرشحين محتملين غير أن ثمة ثوابت تفرض على من سيفرج في اللحظة الاخيرة من جعبته اسم فخامته كما فعل في الدوحة، أولى الثوابت وصول رئيس غير قادر على الاخلال بالتوازن في البلد ثانيها أن يكون غير بعيد عن تركيبة المؤسسة العسكرية ثالثها التنسيق والتعاون الجدي مع الاسرة الدولية للمحافظة على "الستاتو- كو" الحالي وضبط الأمن بحده الادنى ريثما ينجلي الوضع الامني في سوريا. 

رابعاً أن تكون الانتخابات الرئاسية فرصة سانحة لتهدئة النفوس بين الاطراف كافة على قاعدة رئيس توافقي بعيداً عن اي تحد أم تشنج أم شعور بالنصر أم بالهزيمة لاي طرف سياسي في لبنان حتماً لن يكون الرئيس العتيد ممن هم راغبون بقلب موازين القوى تحت شعارات مذهبية أم طائفية أم اصلاحية أم تغييرية أم اية حجج واهية، بل الثابت أن دول القرار باتت مقتنعة أنه كما يمكن ان تصدّر الازمة السورية الى لبنان، فخطر تصدير الازمة من لبنان باتجاه سوريا وارد حتماً لكنه مرفوض سيما وأن مدناً ومناطق شاسعة من لبنان تشهد فورة بركان طائفي ومذهبي؟ 

ان فرض رئيس متطرف من اي جهة كان يزيد الازمة تعقيداً وقد يفجّر الحرب في لبنان من جديد. في اي حال دوائر القرار في الخارج تعرف تماماً المرشحين ونواياهم وخطط عملهم وانتمائهم السياسي وسيرة حياتهم بادق تفاصيلها، وان ايحاء بعضهم بنقل البارودة من كتف الى كتف واستيلاد تفاهمات وهمية من هنا وتقارب مصلحي من هنا لا يقدم ولا يؤخر في مسالة قناعة تلك الدوائر بشخصية الرئيس العتيد، وهي تترك حرية الترشح والتحرك واجراء الاتصالات لهم، لكن ماضي اي منهم يبقى الاساس في انتقاء رئيس الجمهورية اللبنانية الذي سيكون مقيداً متعهداً بسلسلة من الاآت منها التزام خط وسطي على مسافة من كافة المذاهب والقوى السياسية ومنها السعي للاستبقاء على النأي عن الازمة السورية ورعاية الحوار بين اللبنانيين الى أن يحسم الملف السوري ويجري ترتيب البيت الداخلي العائد اليها. 

من هنا يبقى دائماً التداول باحتمال إعادة انتخاب الرئيس ميشال سليمان كون هذا الرجل مرَ باختبارين اساسيين وهامين هما قيادة الجيش واجاد لعب دور الحكم بين اللبنانيين، بالرغم من اصراره على عدم التمديد، لكن بحال "استوت" الطبخة فلا صعوبة بمكان الايعاز للنواب الكرام حضور جلسة برلمانية لتعديل الدستور بمادة وحيدة وللبنان سوابق على هذا الصعيد، خاصة في ظل فلتان أمني مريب على الساحة الداخلية ما لا يتحمله لبنان من عواقب خطيرة من جراء وصول رئيس من فئة معينة "قلبه ملان" وعازم على الغاء الفريق الآخر ما يطلق شرارة الثورات والحروب حتى ضمن المذهب الواحد. 

وبين الفراغ وبقاء الرئيس، الخيار الثاني اقل كلفة على لبنان واللبنانيين في ظل جو ملبد عابق بالقتل والخطف والاجرام والعمليات الامنية، بعدما بات المجتمع الدولي مقتنعاً أن تجربة رئيس جديد تبقى محفوفة بالمخاطر والتداعيات بينما للرئيس الحالي نموذج حي لست سنوات مضت، وما من مانع في أن يعاد انتخابه ريثما تنجلي غيوم الحرب السورية وانعكاساتها على لبنان بحسب نظرة المعنيين. 

قد يكون هذا المخرج الاقل كلفة للبنان، وما كان يصح لكل من الرئيس الهراوي والرئيس لحود من فرص تمديد للولاية الرئاسية قد يفرض على لبنان من الخارج، علماً أن الوضع يختلف اليوم، ما يتطلب مباركة من الرئيس بري  مضاف اليها بعض الضغوط الدولية لعدم ترك لبنان رهينة للفراغ، ما يُحتِّم على الكتل النيابية الحضور الى جلسة لمجلس النواب وتعديل البند الدستوري المتعلق بولاية الرئيس ومدتها. 

في هذا التدبير يكون لبنان قد مرَر قطوعاً كبيراً محفوفاً بخطر الفراغ والصراع الذي قد لا ينتهي على كرسي الرئاسة بعدما انحسر بين مرشحين بارزين ينتمون اما الى 8 آذار واما الى 14 آذار وان اياً من هؤلاء لن يرحم الآخر في أخذ الثأر والاقتصاص مما سوف يعتبره فوزاً لفريق على فريق آخر وهذا ما تنكب الدول الكبرى على قطع دابره اتقاء من الفلتان والفوضى العارمة .

لوسيان عون – محامٍ وكاتب سياسي - "ليبانون تايم" 22\3\2014

إرسال تعليق

 
Top