0
كتب ميشال نصر - يجمع المحللون العسكريون ان العملية الاخيرة التي شهدتها مجدل الشمس ضد الدورية الاسرائيلية، لا تنفصل في الزمان والمكان عما سبقها من خروقات خلال الاسابيع الماضية على طول الجبهة الشمالية، فيما يبدو توحيدا للجبهة الممتدة من الجولان مرورا بمزارع شبعا وصولا الى الجنوب اللبناني، في ظل التطورات المتسارعة في الداخل السوري.

الدوائر الاسرائيلية والدولية التي انشغلت في تحليل ابعاد وتداعيات العملية الاخيرة، اجمعت على دور ما لحزب الله المعروف بقدراته على استخدام مثل هذه العبوات الناسفة، مع انه لا يحمل بصمات مباشرة لهذا الاخير، مشيرة الى ان افرادها لا ينشطون في الاراضي السورية بدون تلقي الضوء الاخضر من حكومة دمشق. فالسوريون وحزب الله يحاولون جرّ تل ابيب نحو حرب استنزاف على طول الحدود الشمالية، بالتوقيت والوتيرة التي يرونها مناسبة لهم، وتيرة تذكر بفترة وجود الجيش الإسرائيلي في الحزام الأمني في الجنوب اللبناني، واعتبر المحللون أن الحادثة التي تشبه بطريقتها العملية التي حصلت قبل اسبوع في مزارع شبعا تشير الى أن المنفّذ هو مصدر واحد، ما يؤشر الى أن جبهة الجولان مع اسرائيل قد تفتح تدريجيا، مع نشوء حزب الله آخر خلال الاشهر القادمة في الجانب السوري للجولان، كما حزب الله اللبناني، ما قد يفسر تبني مجموعة مسلحة مجهولة اطلقت على نفسها اسم «حزب الله فلسطين»-الذراع العسكري للمقاومة الفلسطينية في فلسطين العملية موردة تفاصيلها واضعة العملية في سياق الرد على العدوان المستمر ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

فعلى ما يبدو ان «المعركة» هذه المرة تخطت مجرد الرد والردّ على الرد، لتنزلق الى محاولة لفرض معادلات وقواعد لعبة جديدة. عبرت عنها بدرجة كبيرة المواقف التصعيدية والتهديدات التي اطلقها كبار المسؤولين الاسرائيليين، على رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشيه يعالون، وصلت الى حد التهديد الشخصي للرئيس السوري.

غير ان ذلك لا يسقط حزب الله من الحسابات الاسرائيلية باعتباره هاجس تل ابيب الاكبر، إذ ان التوتر سيد الموقف على طول الخط الازرق منذ دخول الحزب المعارك في سوريا. فسلوك حزب الله بحسب التقارير الإسرائيلية، اعتمد في ردوده بعد الحرب الأخيرة على لبنان في العام 2006 على هجمات يعمد في تنفيذها خارج الحدود اللبنانية، أو عبر توجيه مجموعات مقربة منه للرد في مناطق عدة في الضفة الغربية أو قطاع غزة. وتشير التقديرات الاسرائيلية والغربية في هذا المجال إلى أن حزب الله يعد العدة لمواجهة معها على الجبهة السورية، حيث رصدت الاستخبارات الاسرائيلية نشاطا للحزب في المنطقة لجهة جمع معلومات عن انتشار القوات الاسرائيلية في هضبة الجولان الاستراتيجية. ولهذه الغاية نشر الجيش نظام مراقبة متقدما على الجبهة السورية يكشف على الفور أي تحركات مريبة قرب المنطقة تسيطر عليها اسرائيل.

تهديدات رافقتها رسائل تحذير الى الجانب السوري عبر قوات فك الارتباط في الجولان، بالتزامن مع اتصالات غير مباشرة عبر الطرف الروسي لمعرفة جدية الجهود لمنع تكرار عمليات مماثلة، رغم الحديث عن رد سوري ضد هدف اسرائيلي غير استراتيجي يتبعه تدخل من موسكو بين الطرفين لتهدئة الاوضاع.

الرد الاسرائيلي ضد سوريا، جاء داخل اراضيها، فطاول القصف مواقع عسكرية في منطقة القنيطرة، حيث لم تكتف تل ابيب بالقصف المدفعي بل شنت طائراتها غارات على اربعة مواقع في منطقة الكوم ونبع الفوار وسعسع في تطور خطير استهدف مقار اللواءين 68 و90 ومقرات قيادة وتحكم ومنشأة تدريب وبطاريات مدفعية فضلا عن مخزن للذخيرة، تابعة لجهات سورية لم تتغاض عن المسلحين، بل تعاونت معهم، حيث «سمحت وساعدت عناصر أمنية سورية» الخلية التي زرعت العبوة على الحدود، فيما اكدت التقارير الاستخباراتية المسربة الى ان الجيش الاسرائيلي عزز مواقعه في الهضبة، مستبدلا وحدات الاحتياط بقوات نظامية، رافعا من وتيرة نشاطه الاستخباري مع سيطرة الجماعات المسلحة على قسم من الحدود الواقعة الى الجانب السوري، من بينها اطراف جهادية، رغم اعدادهم الضئيلة نسبياً.

يشار في هذا الصدد الى ان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، اللواء في الاحتياط عاموس يادلين أكد، أن المفاضلة، بالنسبة إلى إسرائيل، بين تنظيم «القاعدة» ونظام الرئيس بشار الأسد، تميل إلى «القاعدة»، فالرؤية الاستراتيجية الأشمل للحكومة الإسرائيلية، تنطلق من إن سوريا من دون الأسد ونظامه، أفضل لإسرائيل، سواء حكم هذا البلد المتمردون العلمانيون السنّة أو حتى جماعات القاعدة؛ إذ إن المهم في ذلك قطع صلة الوصل بين إيران وحزب الله، ما يعد تغييرا استراتيجياً مهماً جداً في ميزان القوى على الجبهة الشمالية لمصلحة إسرائيل.

سوريا من جهتها ردت ببيان شرحت فيه ملابسات الغارة الاسرائيلية، رغم عدم استبعاد مصدر سوري مطلع إمكانية قيام مقاومين سوريين بعمل عسكري ضد الاحتلال الاسرائيلي، حيث قال المصدر أن هناك مجموعات سورية وفلسطينية مقاومة باتت تنشط في هذه المنطقة المحتلة منذ مدّة خصوصاً غداة الاعتداءات الاسرائيلية المتكرّرة على سوريا، مشيرا إلى ان هذه المجموعات ربما هي غير حكومية، اي ليست مدعومة من النظام في دمشق، بل هي مجموعات صغيرة إستغلت حالة الفوضى الامنية في سوريا خصوصاً بمحاذاة المنطقة الحدودية وأخذت تقوم بعمليات عسكرية صغيرة عبارة عن تفجير عبوات أو إطلاق قذائف هاون نحو مواقع إسرائيلية. ووفقا للمصدر، يعزز هذه الفرضية عدد من العوامل أبرزها، أن العبوات المستعملة هي عبوات ذات قدرة تفجيرية حفيفة وليست تدميرية بشكل كبيرة، كما انه يتم وضعها بمحاذاة الشريط التقني، اي ان هذه المجموعة لا تخترق الحدود نحو الداخل، وهذا ما يدل على قدراتها المحدودة، وعدم امكانيتها على الدخول في عمليات مواجهة مباشرة في الوقت الراهن.

التقديرات الاسرائيلية السائدة ترجح ان لا تكون عملية الجولان الأخيرة، مبدية خشيتها من المرحلة المقبلة، سواء على الحدود مع سوريا أو مع لبنان، بعد ان تغيرت قواعد اللعبة على الحدود الشمالية.وعليه فان الجيش الاسرائيلي يستعد لمواجهة احتمال التصعيد على الجبهة السورية، وأيضاً في مزارع شبعا،مشيرة الى ان الختبار الاول سيكون عندما يتقرر إحباط عملية تهريب وسائل قتالية من سوريا إلى لبنان، وتحديداً على الحدود السورية اللبنانية.

ضبابية الصورة عززتها العملية الهامة والنوعية التي نفذت داخل مزارع شبعا، حيث اشارت المعلومات الى ان اسرائيل سارعت الى الاتصال باليونيفل لمنع اي تصعيد اضافي على الحدود مع لبنان ، متوقفة عند خطورة تبني ـ داعش ـ العملية، لان ذلك يعني ربط الجولان بمزارع شبعا وصولا الى بلدة شبعا، ونقل معارك الداخل السوري الى شبعا التي تحولت «عرسال ثانية»، نظرا الى عدد النازحين السوريين اليها خصوصا وان بلدة بيت جن السورية القريبة من شبعا سقطت في أيدي الجيش السوري الحر، حسبما يقول النازحون، وهي المتاخمة للحدود الدولية اللبنانية السورية ويفصلهما جبل الشيخ.

وبحسب تقرير اعدته اليونيفيل فان الهجوم وقع عند الطريق المؤدية الى موقع قيادة الجيش الاسرائيلي في مزرعة زبدين، وفي نقطة تفصل تماما بين الاخيرة ومزرعة بسطرة المحررة، في منطقة تعرف بانها مليئة بالاحراج ويصعب التنقل العسكري فيها بسهولة، وتابع التقرير في تقديره للموقف بان طبيعة الهجوم تشبه الى حد بعيد هجمات سابقة استهدفت خطف جنود اسرائيليين، متوقفا باهتمام عند إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) مسؤوليته عن زرع العبوة، خصوصا ان ذلك، في حال صح، يعتبر اختراقا أمنيا يحصل للمرة الأولى في المنطقة الحدودية رغم الرقابة المشددة التي يفرضها الجيش واليونيفيل ومقاتلو حزب الله، حيث تركز التحقيقات على التثبت من كيفية التسلل والقيام بمثل هذه العملية مع الاشارة الى نجاح خلية نعيم عباس باطلاق صواريخ باتجاه اسرائيل تحت لواء كتائب العزام واعترافه بتفاصيل وصوله الى تلك المنطقة. وحذر التقرير من ان اختيار داعش نقل عناصر له الى الجنوب وقيامه بزرع العبوة يعني انه قادر على الاختراق الأمني في أي بقعة يريدها من لبنان، ما يستوجب إعادة النظر في الرقابة الصارمة على الحدود تجنبا لاعتداء واسع لا تستطيع البلاد تحمله في هذا الوقت بالذات.

على الرغم من ان التهديدات الاسرائيلية اتخذت هذه المرة طابعا جديدا اكثر حدة ،الا ان الاتصالات المكثفة بين سوريا واسرائيل عبر اطراف ثالثة تشير الى محاولة كل الاطرف تدارك التهور الشامل. فالقراءة المتأنية للاحداث تخلص إلى أن بريد الرسائل سيظل مفتوحاً بين إسرائيل وحزب الله والنظام السوري، مع إبقاء احتمال أن تكون بعض الحركات الإسلامية هي من يقف وراء التصعيد في هذه المرحلة، رغم ان التساؤلات تبقى كثيرة والاجوبة صعبة، فهل هي التطورات العسكرية والميدانية على الساحة السورية التي ادت الى هذا التوتر؟ وهل تخفف المظلة الدولية الحامية للاستقرار اللبناني من حدة التوتر بين الحزب واسرائيل؟ وهل ينذر كل ذلك بعملية عسكرية كبيرة في المنطقة لقلب الموازين في ظل الاجراءات السياسية المتخذة بحق دمشق، ام ان تل ابيب متأكدة من عدم قدرة سوريا على الرد هذه المرة ايضا؟

الديار 21\3\2014

إرسال تعليق

 
Top