0
كتب الان سركيس - إجتازت جولات القتال الطرابلسيّة سنّ الرشد، وبلغ عددها 20 جولةً. وفي هذه الجولة، لم تعد القوى السياسيّة قادرة على ضبط المسلّحين، فيما يتخوّف الطرابلسيّون من تحوّل مدينتهم إلى «عبرا- 2».


تشتدّ ليلاً، وتخفّ حِدّتها نهاراً. إنّها حال جولات العنف الطرابلسيّة، حيث ينتظر المسلّحون هبوط الليل ليستكملوا إشتباكاتهم، على طريقة «خفافيش الليل»، وهذا الأسلوب يستخدمه المقاتلون منذ بدء تعداد جولات الاشتباكات في طرابلس، بعد أحداث 7 أيار 2008، مع أنّ المعارك تعود الى فترة الحرب الأهلية. وقد بلغ عدد القتلى في الجولات الـ19 الماضية نحو 180، إضافة إلى 1300 جريح، من دون ذكر الضرر الإقتصادي الذي جعل الفيحاء مدينة أشباح.


للجولة 20 خصوصيّتها، وهذه الخصوصية تتمثّل في أنّ الحرب التي بدأت بين جبل محسن وباب التبانة، لعبت بها أيادٍ سوداء ترغب في تحويلها حرباً بين التبانة والجيش اللبناني، على طريقة معركة عبرا، مع أنّ وضع طرابلس مغاير لظروف معركة عبرا، على الرغم من بعض الإعتداءات على دوريّات الجيش.

 
ما دفع العقلاء في المدينة إلى تدارك الأسوأ ووقف النزف، فيما انكفأ المقاتلون السلفيون في التبّانة، ولم يشاركوا في الجولة العشرين، فاقتصرت على مقاتلي الجماعات التابعة للقوى السياسية في وجه مقاتلي الحزب «العربي الديموقراطي».
 
إقتصاد ينازع
 
لم تعُد طرابلس قادرة على تحمّل مزيد من الدمار والخراب. فالشعارات التي كُتبت على الجدران مقابل ساحة «الله»، تفنّد مطالب الطرابلسيين بالعيش بسلام، فيما تصطفّ الباصات التي تعمل على خطّ طرابلس - الكورة - بشرّي في الساحة تنتظر الركّاب الذين تجرّأوا ونزلوا إلى طرابلس، وقد شهد الدوّار حركة سير طبيعيّة ظهراً وكأنّ المدينة ليست ساحة حرب، وكلّ المعارك هي تسلية أو عبارة عن نزهة صيد عصافير.
 
إستغلّ أصحاب المحال التجارية وعربات البضاعة ساعات الهدوء الحذر، وفتحوا أبوابهم «للإسترزاق»، فعجّت ساحة التلّ بالبائعين الذين عرضوا بضاعتهم على البسطات غير آبهين بالمطر الذي قد يهطل، لأنّ خوفهم الأساسي هو من الوضع القائم.
 
ينادي البائعون على اللوز الأخضر الذي حان موسمه، فسعرُه في طرابلس التي تُلقّب بـ»أُمّ الفقير» أرخص من بقية مناطق، لدرجة أنّ البائعين يضربون بعضهم به. كذلك، فإنّ الحركة في ساحة التلّ غير عاديّة، مواطنون يتمشّون ويتسوّقون، وزحمة في محالّ المواد الغذائية، والسبب ليس الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه المدينة، بل «التموين» تحسّباً للأسوأ.
 
الأمن يرفع الأسعار
 
يخاف الطرابلسيّون من الأيام المقبلة، فبعدما استراحت المعركة نهاراً، على الرغم من القنص المتقطّع، نزل الطرابلسيون بكثافة لافتة إلى المحالّ يشترون المواد الضرورية من حبوب وخبز وخضار، فيما بقيَت بسطات اللوز على حالها، لأنّها من الكماليات.
 
وارتفعت الأسعار بشكل مفاجئ، فباتت أسعار مدينة «أمّ الفقير» تضاهي أسعار العاصمة، ويعود السبب الى ارتفاع أعداد النازحين السوريين، وكثرة الطلب على المواد الغذائية، وتوتّر الوضع الأمني واستغلال التجّار للمعارك، بعدما انخفضت مبيعاتهم، فلجأوا إلى رفع الأسعار لتعويض الخسارة، خصوصاً أنّ بعض المحال تضرّر مباشرة. وتشير التقديرات الى وجود أكثر من 100 ألف نازح سوري، ساهموا في رفع أسعار السلع والمساكن، ما زاد معاناة أهالي طرابلس من النواحي كافة.
 
العين على سوريا
 
يتداول معظم الطرابلسيّين معركة يبرود وسقوطها المفاجئ في قبضة «حزب الله» والنظام السوري. وقرب محلّ بيع الصحف والمجلات على أطراف ساحة التلّ، يستلقي «أبو بلال» على الكرسي ينتظر الزبائن لعلّهم يشترون منه صحيفة لقراءة أخبار مدينتهم، وقد وضع الصحف في صناديق بلاستيكية كبيرة، واجتمع حوله عدد من الشبّان، يتداولون معركة يبرود ويحلّلون سير العمليات، لكنّهم يجهلون الطبيعة الجغرافية هناك، ما دفعهم إلى الإستعانة بأحد السوريين الذي يعمل في محلّ قريب منهم، ليشرح لهم طبيعة المنطقة، وأهمّية موقعها الجغرافي وتأثيرها على سير المعركة السورية الكبرى. فيناديه جاره الذي يسمع الحديث، ويقول له: «يا أبو بلال قرَّبت».
 
لم يهضم الطرابلسيون سقوط يبرود، ويعتبرون أنّ جبهة طرابلس حُرّكت ليل أمس الأوّل بعد انفجار النبي عثمان، فالفريق الحليف للنظام السوري لا يستطيع مواجهة عرسال، فيردّ في طرابلس بعنف، لدرجة أنّ أصوات القصف تُسمع من الكورة وزغرتا، فيما يجزمون بأنّ طرابلس ستبقى ساحة حرب طالما إنّ الحزب «العربي الديموقراطي» موجود ومدجّج بالسلاح الثقيل.
 
محاور تتحرّك
 
يزداد الوضع سوءاً كلّما اقتربتَ من مناطق التماس، حيث ينتشر الجيش اللبناني ليردّ على مصادر النيران، فترفع منطقة الزاهرية السواتر لتحمي نفسها من رصاص القنص، والوضع نفسه ينسحب على جبل محسن والقبّة التي تخفّ فيها الحركة بشكل كبير، نظراً إلى القنص، فيما يسجّل نزوح إلى عمق طرابلس بعيداً عن محاور القتال.
 
تجدّد الاشتباكات
 
يهبّ الهواء عند الساعة الثالثة بعد الظهر، وتتساقط الأمطار، فيسارع الباعة والمواطنون لإخلاء الساحات، فيما يبقى الحمام وحده في ساحة التلّ، كأنّ الطبيعة علمت أنّ المحاور ستشتعل فأعطت إنذاراً للمواطنين، حيث عنفَت الإشتباكات ليلاً واستُخدمت فيها القذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة، فقطع الجيش الطريق الدولية التي تربط طرابلس بعكّار، بسبب القنص الذي طاول الاوتوستراد بين مستديرة «أبو علي» وجسر الملّولة. واستخدم رشاش 12/7 للردّ على مصادر النيران، فيما ارتفعت الإصابات بين المدنيين والعسكريين.
 
أزمة المخطوفين
 
تعيش طرابلس أزمة من نوع آخر، فبعدما استنهضت ممارساتُ النظام السوري ومحاربته الطائفة السنّية في سوريا عدداً من الشباب الذين اندفعوا للقتال فرديّاً في سوريا، ولم يكن دخولهم منظّماً مثل مشاركة «حزب الله»، وقع قسم منهم في قبضة النظام، وقد علمت «الجمهوريّة» أنّ الصليب الأحمر الدولي أعلن عن وجود 20 شاباً طرابلسياً في سجون النظام، وينقلهم باستمرار بين سجون حمص وحلب ودمشق، فيما لم يؤلّف ذووهم أيّ جمعية أو يعرضوا مشكلتهم على الدولة اللبنانية، بل يعملون بطريقة فردية عبر بعض المشايخ الذين لهم علاقة مع جهات نافذة.
 
وفي هذا الإطار، يسعى وفد من المشايخ للاتصال بالسفارة القطرية التي نشطت على خطّ المفاوضات، واستطاعت تحرير راهبات معلولا، من أجل الدخول في وساطة لإطلاقهم.
 
لا تستطيع طرابلس أن تنهي حربها، لأنّ الكره الطائفي إلى تزايد، خصوصاً أنّ المسلّحين قد أصبحوا خارج السيطرة، والأزمة هي امتداد للحرب السورية، فيما يعتكف عدد من الفاعليات بعد عجزه عن القيام بأيّ خطوة إنقاذية، لأنّ الأزمة أكبر من طرابلس بكثير.


الجمهورية 18\3\2014

إرسال تعليق

 
Top