0
كتب فؤاد أبو زيد - مؤسف ومخيف، ان غالبية الشعب اللبناني التي تعيش منذ زمن، ليس قصيراً، حالة من التدهور الكبير في اوضاعها الاقتصادية والامنية والسياسية، لا تدرك ولا تستوعب ان هذا التدهور الذي يكبر حجمه ويتسّع مداه وتتضاعف اخطاره، بدأ عملياً منذ اسقاط حكومة سعد الحريري، وتشكيل حكومة نجيب ميقاتي من اقليّة نيابية على حساب اكثرية اخرى، خلافاً لأسس النظام الديموقراطي الذي يتبناه لبنان على الورق، ولا يعيشه عملياً، وقد بلغ هذا التدهور المريع ذروته في خلال العشرة اشهر التي استنفدها الرئىس المكلف تمام سلام بكاملها، مع فائدة عشرة ايام اضافية، ليشكّل حكومته الاولى، وليعود ويحمل صليبه ثانية اثناء فترة اعداد البيان الوزاري، التي كانت فرصة ذهبية امامهم ليفتحوا عيونهم على ما هو مكشوف ومعروف منذ زمن، ان هناك فريقاً من اللبنانيين يتجنب الدولة ويهرب منها، اذا فتحت له ذراعيها لتضمه الى صدرها الرحب، ولكنه لا يمانع ان شاركته في مؤسساتها كافة وفي قراراتها وتشريعاتها وخدماتها، على قاعدة ان ما لها، له ولها، وما له لا ينازعه ولا يشاركه فيه احد. 

وهذا الفريق ليس وقفاً على طائفة اومذهب او حزب او تيار، بل هو عبارة عن مجموعة قوى متضامنة متعاونة، تدعى قوى 8 آذار متفقة على ما يبدو وعلى ما ظهر في نص مشروع البيان الوزاري، ان حرفي الالف واللام في تعريف المقاومة، يساويان الدولة وما ومن فيها، ولاحكومة، ولا رئيس جمهورية، ولا انتخابات، ولا وطن من دون هذين الحرفين الذهبيين، اما بالنسبة الى «الحشو» الباقي في البيان، مثل الدور المعطى للمواطنين اللبنانيين ـ تمييزاً لهم ربما عن المواطنين السوريين والفلسطينيين ومئات الالوف غيرهم المقيمين في لبنان ـ ومثل «دور» الدولة في تحرير الاراضي المحتلة، الذي كتب في البيان كجائزة ترضية لوزراء من 14 آذار، فهو اشبه بمخرج فتح في وجه هؤلاء، للادعاء بأن ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة قد انتهت صلاحياتها، وهي قضية خلافية مثلها مثل السلاح، وستبقى برسم الحوار الوطني، ورئيس الجمهورية المقبل ـ اذا اقبل ـ والرؤساء المتعاقبين الى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً.

* * * 

يوما الاربعاء والخميس المقبلين، ستمثل حكومة ما يسمّى «المصلحة الوطنية» امام مجلس النواب لمناقشة البيان واقراره في ظل تحفّظ خجول من بعض وزراء 14 آذار الذين يعوّلون على «تخريجة» ما تنقذ استمرارهم في الحكومة، وقد تكون مطالبة البطريرك بشارة الراعي بتوضيح «الغموض الخلاّق» في البيان، هذه «التخريجة»، ولكن المؤكد ان اي تصويب او توضيح لمعجزة «الشعب والمواطنين والدولة» سيزيدان البيان غموضاً، وحرفي الالف واللام، قوة ووضوحاً، ومن يعش يرَ، لكن اللافت ان بعض نواب ومحسوبين على 8 آذار، اطلقوا من وسائل اعلامهم الموجه، النار بشدة على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، فور التوصل الى الصيغة التي انقذت حكومة تمام سلام، وعلى رئىس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، الاول لانه اكد ان مواقف رئىس الجمهورية تنبع من ضميره الوطني، وان الرئاسة مؤتمنة على كل الوطن لما فيه مصلحة لبنان واستقراره ووحدة ابنائه، والثاني للكلمة التي القاها في لقاء «البيال» وشرح فيها المفهوم الحقيقي للرئيس القوي، وما قيل عن امكانية ترشيحه لمنصب الرئاسة الاولى، وهذا الهجوم عكس مرة جديدة مدى تمسك قوى 8 آذار بمبدأ «حرية الشتم والاتهام» من جهة، ومدى ضيقهم بالرأي الآخر المختلف، من جهة ثانية، ما يفرض على غالبية الشعب اللبناني ان تستفيق من سباتها الطويل، وتقاوم سلمياً وديموقراطياً محاولات «اقناعهم» بالقوة، او الرحيل الى دول لا تفرض عليهم نمط عيش مختلف.


الديار 17\3\2014

إرسال تعليق

 
Top