0
كتب مصطفى العويك - حسام الصباغ "أبو حسن" اسم يتداوله الاعلام بكثرة منذ مدة. "وكيل تنظيم القاعدة في لبنان وأميره"، هكذا عرفه البعض عن سوء نية، و"صمام أمان طرابلس" عن حسن نية وفقا لطرف آخر. الطرفان وقعا في فخ المبالغة، فلا هو أمير ولا وكيل، وحضوره الميداني في طرابلس لا يؤهله لدور صمام الأمان.

مقل في الكلام، متواضع، دمث، لا تستهويه عدسة الكاميرا ولا نجوميتها، يفضل رعي الاغنام في زيتون ابي سمراء بدل أن يكون ضيفاً دسماً على الشاشة، ما اعتاد أن يستضيف من يريد استنطاقه أو استدراجه. حذر في أفعاله وأقواله، أرض الشيشان التي زارها مجاهداً منتصف التسعينيات جبلته على المكابدة والصبر والتحمّل، وعلمته دروساً كانت له زاداً بعد عودته الى لبنان عام 2005. يجزم القريبون من الصباغ أنه زار العراق ولم يتمكن من القتال فيه ضد الاميركيين فعاد أدراجه في سرعة الى لبنان.
 
"أبو الحسن" لا يسكن في مربع أمني كما قيل، فمنزله معروف لدى جميع أهالي طرابلس، ما عليك إلا أن تسأل عن الطريق الى "صيدلية الشفاء" في طلعة أبي سمراء حتى تصل الى مرادك. لا أمن ذاتياً، لا دشم، لا ظهور مسلحاً، بكبسة زر عبر المصعد تجد نفسك أمام منزله. الدولة حاضرة يومياً بحواجزها النقّالة على مقربة من منزله، وغالباً ما يتجوّل منفرداً أو مع أحد الشباب القريبين منه، لا سلاح في اليد، ولا حزام ناسف مشدوداً على البطن أو مستوطناً في العقل. فالصباغ يرفض العمليات الانتحارية التي تنفذها "داعش" و"جبهة النصرة" في لبنان، ويشمئز من هذه الحال، "لأنها تضر بمسار الثورة السورية". يقول: "ما الفائدة من تصدير الأزمة السورية الى لبنان؟ لا شيء طبعاً سوى إغراق لبنان في الفتنة".
 
الثورة السورية وفقاً للقريبين من الصباغ لا تحتاج الى رجال نرسلهم اليها، بل الى دعم مادي ومعنوي وإعلامي. هذا ما يقوم به الصباغ "على راس السطح". أما تصدير مقاتلين من لبنان بعد تدريبهم وإعدادهم معنوياً وفكرياً للقتال في سوريا، فهو "أمر تافه ولا أساس له وهل تحتاج سوريا الى رجال؟ حزب الله متورط بسلاحه وعناصره في الداخل السوري، ماذا فعلت الدولة تجاهه؟ لا يمكنها فعل شيء طبعاً. أما نحن فإذا صرحنا مجرّد تصريح أننا نؤيد الثورة السورية فيعتقل شبابنا ونتحوّل إرهابيين. فكيف الحال إذا أعددنا شباباً للقتال؟".
 
تتزاحم في قاموس الصباغ عبارات التأييد للثورة السورية تقف عند حد "عدم توريط اللبنانيين فيها". لذا أبدى استياءً كبيراً مما جرى مع شباب ما عرف بمجموعة "تلكلخ"، فهو "ضد فكرة استنزاف طاقات شباب أهل السنة". والمعركة كما يراها أكبر من إرسال شباب في مقتبل العمر للقتال ضد جيش مدرّب ومجهّز يمتلك خبرة قتالية كافية لخوض معارك شرسة.
 
طرابلسياً يحظى الصباغ باحترام كبير من الجميع "المشايخ الذين يدورون في فلك 8 آذار يثنون عليه ويمدحونه، يقول أحد معاونيه. ويضيف: "كان يقود مجموعة كبيرة تقاتل في اشتباكات التبانة جبل محسن، لكنه اليوم معتكف ومجموعته عن المشاركة في أي عمل عسكري. جرى ذلك بعدما استدرج الى فخ، أسعفته حنكته ولم يقع فيه. يومها خرج أحد القريبين من قائد محور كبير في التبانة أمام جمع من الناس وقال: "نبايعك أبا الحسن على السمع والطاعة"، ثم خرج الإعلام ليقول إن الصباغ بات أميراً للمجموعات المسلحة في التبانة، متحدثاً باسمهم وقائداً لرايتهم.
 
شعر الصباغ بعد تداول اسمه بكثرة في الاعلام، أن أمراً ما يدبّر له، فاختصر الوقت وابتعد. اتخذ قراراً بعدم المشاركة في أي معركة لأنه استشعر أن "أحداً ما يريد توريطه في اللعبة الأمنية التي تتحكم في سير المعارك بين الجبل والتبانة". وكثّف حضوره في مزرعته في زيتون أبي سمراء، راعياً للغنم ومهتماً بالحيوانات. طلب الى محبيه التوقف عن القتال في أي جولة قادمة منذ الجولة رقم 17، والتزم الشباب ذلك، وحتى حضوره في التبانة بات شبه معدوم، فمعارك "بدل الضائع" لا تسمن ولا تغني من جوع، بل هي نوع من الاستنزاف لا أكثر.
 
مطعم الحمص والفول الذي افتتحه الصباغ بعد عودته من أوستراليا (وهي أكلة رائجة جداً في طرابلس) أغلقه عام 2007 بعيد أحداث طريق المئتين ثم مواجهات مخيم نهر البارد. اتهم الصباغ على الأثر مع الشيخ نبيل رحيم بأنهما يشكلان عصابة للإخلال بالأمن واعتقل رحيم وخرج بعد مدة من السجن باخلاء سبيل. الصباغ توارى عن الانظار. "تعلم" من غيره، إذ اعتقل عدد كبير من الشباب الاسلاميين ولم يفرج عنهم الا بعد سنوات طويلة مع عبارة "نعتذر منك لعدم وجود دليل يسمح بإدانتك"، فلماذا يسلم نفسه مجاناً؟
 
الصباغ مطلوب للدولة منذ تلك الحقبة ولم يظهر اعلامياً للدفاع عن نفسه، ونفي التهم الموجهة اليه. سعى كثر من محبيه الى اقناعه بتغيير موقفه لكنه كان يردهم خائبين.
اعتقل شادي المولوي داخل مكتب الوزير السابق محمد الصفدي عام 2012. فاشتعلت طرابلس، أغلقت الطرق وتحوّلت ساحة النور ساحة "النصرة" لشادي. كان الصباغ "دينمو" الحركة. ربما يمثل المولوي الساعد الأيمن لـ"أبي الحسن" في المسألة السورية. ظهر الصباغ من جديد على الساحة وطمأنه المشايخ الى أن أحداً لن يتعرّض له، وسيحمونه قدر المستطاع، فسطع نجمه من جديد وبات رقماً صعباً، لا بل خطاً أحمر يمثل استهدافه "تجاوزاً للخطوط الحمر".
 
ليس الصباغ سياسياً كي يعرف عنه الكثير، ولا رجل أمن للقول إنه يمتلك الكثير من المعلومات. ربما الصفة الأقرب الى حقيقته أنه رجل متواضع يلفه غموض من كل الجوانب.

النهار - 11 آذار 2014

إرسال تعليق

 
Top