كتب ابراهيم بيرم - هل بدأت مرحلة "التطبيع" الأمني الجدي بين "حزب الله" وتيار "المستقبل"؟ هذا السؤال فرض نفسه بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها المسؤول عن وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا إلى المدير الاقليمي لقوى الامن الداخلي في الجنوب العقيد سمير شحادة. وبصرف النظر عما دار في هذا اللقاء على مستوى التنسيق الأمني، ثمة أهمية أخرى للقاء تبرز من كونه تلا لقاء جمع صفا مع وزير العدل أشرف ريفي، ثم لقاء آخر ضم صفا ووزير الداخلية نهاد المشنوق.
لوهلة، ربما يمكن إدراج هذه اللقاءات في خانة التهدئة وضرورة إلى إيجاد قنوات اتصال وتواصل دائمة بينهما، لاسيما في مرحلة ما بعد تأليف الحكومة الجديدة التي شهدت عودة "المستقبل" إلى دست الحكم بعد غياب قسري استمر ما يقرب من ثلاث سنوات، وحاجة الفريقين الى التلاقي في هذه المرحلة، إذ لا يمكن الأمن الداخلي أن يقوم بمهماته في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع وأجزاء واسعة من بيروت من دون تواصل مع الحزب صاحب النفوذ الأقوى، وإستطراداً بات أمراً طبيعياً في ظل المرحلة الحالية أن يعمد الطرفان الى ايجاد قنوات تنسيق أمني تحت مظلة "حكومة ربط نزاع" وفق التوصيف الذي أطلقه الرئيس سعد الحريري لعملية الشراكة السياسية الجديدة بينهما.
انها بمعنى آخر عملية البحث المستجدة من كلا الطرفين عن علاقة تبادلية وفق تكريس آليات تعاون بينهما، تضع حداً لـ"الأحتراب" المتعدد الوجه بينهما طوال الاعوام الثلاثة المنصرمة والتي بلغت درجات ومستويات غير مسبوقة، من جهة، وتفتح آفاقاً للتنسيق أو لضبط النزاعات وبؤر التوتر المتعددة بينهما، وهو ما يسمى في العلم العسكري إرساء قواعد اشتباك محددة ومعينة.
هذا الاستنتاج يمكن التوصل اليه شكلياً، أما في الجوهر فثمة معطيات ووقائع أخرى حاضرة ومستقبلية تضع هذا النوع من التنسيق الجدي بين طرفين على هذا القدر من التأثير والفعل أمام تحديات واختبارات عدة من شأنها ان تعمق هذا التنسيق وتجذره وتخطو به نحو آفاق أخرى أكثر رحابة.
ولا يمكن سابر غور هذا "التنسيق" المستجد إلا أن يستنتج أن الأمر ليس ترفاً بالنسبة الى الطرفين بل هو ضرورة وحاجة إنطلاقاً من اعتبارات ومعطيات متعددة أبرزها:
- أن "المستقبل" الذي يبدو "متشوقاً" للسلطة بعد طول غياب عنها، يدرك تمام الإدراك ان الامر لن يستقيم له، إذا لم يخفض مستوى التوتر بينه وبين "حزب الله" ويبادر لاحقاً إلى وضع قواعد تنسيق واشتباك في آن واحد، خصوصاً أن "المستقبل" خاض تجربة طويلة وشاقة بغية عزل الحزب او تهميش حضوره السياسي تحت عناوين شتى ولكن لم يكتب له النجاح. وقد تجسد ذلك أكثر ما يكون في تجربة الـ11 شهراً الماضية التي انقضت على تكليف الرئيس تمام سلام تأليف الحكومة.
- أن "حزب الله" لم يخفِ من الاساس حاجته إلى إيجاد صلات وصل مع "المستقبل"، في إطار حاجته الى غطائه، لمواجهة هجمة الإرهاب التكفيري من جهة، ولخفض مستوى التوتر العالي وبين وبينه شريحة واسعة من الطائفة السنّية توالي هذا "التيار" من جهة أخرى.
- فضلا عن مبررات كل من الفريقين لإرساء هذا التنسيق، إذ لم يعد خافياً أن الظروف والتطورات المتسارعة جعلت من الإرهاب الساعي بدأب للتجذر على الساحة الداخلية والتأثير والفعل فيها، ما يمكن أن يكون عدواً مشتركاً وخطراً واحدا على كليهما.
بداية إتبع تيار "المستقبل" نهج المكابرة عندما قلل شأن خطر الإرهاب واعتبره فعلا تهويلياً ابتكره "حزب الله" لتبرير غايات ومآرب عدة أبرزها إنخراطه في الميدان السوري المشتعل، لكن تحول الإرهاب من فعل هيولي محكى عنه إلى فعل تدميري يضرب ضربات موجعة هنا وهناك، أسقط "نظرية" "المستقبل" الطويلة نسبياً وجعل زعيم هذا التيار الرئيس سعد الحريري يستشعر ضمناً أخطاره الزاحفة على قاعدته وشارعه، وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال تكرار الخطاب الذي دعا فيه السنّة إلى النأي بأنفسهم عن حرب تنظيم "القاعدة" مع "حزب الله". ومع ان في طيات هذا الكلام مساواة واضحة بين الطرفين ونوعاً من التشفي بالحزب، إلا أن "القاعدة" تحولت لاحقاً "كابوساً" يؤرق تيار "المستقبل" خصوصاً بعد غزوه الجلي لمناطق تعتبر معاقل للتيار وبعد اصداره بيانات عدة حمل فيها على "المستقبل" وزعيمه متهماً اياهما "بالتخاذل"، وكان آخرها بيان "جبهة النصرة" الذي دعا سنّة الجيش اللبناني إلى الانشقاق عنه.
ومع ذلك فلا ريب أن ثمة من يسأل: هل هذا التنسيق الذي لا يزال في حدوده الدنيا هو آني لإمرار الوقت والمرحلة الصعبة، أم أنه فعل يمكن البناء عليه والرهان على امكان ترقّيه إلى تنسيق دائم وأعلى؟
لا يمكن أي مراقب لمسار هذا التطور المستجد إلا أن يستنتج أن كلا الطرفين في مراحل أولى من رحلة البحث عن حد أدنى من المساحات المشتركة للتلاقي أو لخفض منسوب الإحتقان والتوتر بينهما.
واللافت أيضاً أن كلا الطرفين يسعيان لإرساء هذا الأمر بمعزل عن إمكانات التلاقي المحكى عنه بين طهران والرياض. وهذا الإستنتاج، على أهميته، لا يعني إطلاقاً أن الطرفين صارا أمام تحد جديد هو تحدي تطوير هذا النوع من التلاقي بغية إعادة الثقة المفقودة بينهما في مرحلة أولى، قبل أن يشرعا في البحث عن مشتركات اخرى قائمة هذه المرة على أسس سياسية، خصوصاً أن الطرفين يقران ضمناً بأن تجربة الطلاق النهائي بينهما خلال الأعوام الثلاثة الماضية لم تمكن أياً منهما من إلغاء الآخر، أو حكم البلاد بمفرده، علماً ان بإمكان "حزب الله" أن يقول خلاف ذلك زاعماً أن الحكومة التي شكّلها مع حلفاء آخرين نجحت في الحكم لمدة عامين.
عموماً، إنها فرصة متاحة لإعادة النظر في الخيارات لاسيما أن ثمة رهانات إقليمية لم تعد ذات صلاحية.
النهار - 12-3-2014
إرسال تعليق