0
كتب طوني عيسى - أيّاً تكن الصيغة التي سيرسو عليها لبنان، فسيأتي يومٌ تُحَلُّ فيه أزمة «الإستراتيجية الدفاعية»، وطاولة الحوار ستتكفّل بالحلّ. أما اليوم، فالأمر مبكرٌ جداً. وحوار بعبدا ستكون له وظيفة أخرى.

أمضى أركان لجنة الصياغة قرابة الشهر ولم يتوصّلوا إلى تسوية، ولو لفظية، حول المقاومة وعلاقتها بالدولة. وانحشروا بمهلة الثلاثين يوماً والضغوط الخارجية والمصالح الداخلية، فركَّبوا كلمات لا تعني شيئاً، لكنهم ذَكَروا «الدولة» و«المقاومة» بالخير... وارتاحوا!

 
الآن، يدعو الرئيس ميشال سليمان إلى الحوار في بعبدا. ومعلوم أن البند الأساسي في الحوار، بل الوحيد بالنسبة إلى البعض، هو «الاستراتيجية الدفاعية». وهذا هو العنوان الملطَّف لبند «السلاح خارج الشرعية».
 
والمثير أنّ «حزب الله» الذي زلزل الأرض ردّاً على خطاب الرئيس في الكسليك، يبدو متحمّساً للحوار كما كان متحمّساً للحكومة. ولكن، من المؤكد أن «الحزب» الذي يرفض مجرَّد التنازل «لغوياً» في بيانٍ لا يقدِّم ولا يؤخِّر، سيَبني المتاريس داخل الحوار رفضاً لأيّ «استراتيجية» في غير أوانها... ومكانها.
 
وفوق ذلك، ليس للرئيس سليمان وقت في الحوار أكثر بكثير ممّا كان للرئيس تمام سلام في صياغة البيان الوزاري. فعندما ينطلق الحوار ستكون مهلة الشهرين لانتخاب رئيس جديد قد بدأت تتآكل. ووفقاً للتجارب، كم جلسة يمكن عقدها في فترة تقارب الـ50 يوماً، وماذا يمكن أن تحقِّق؟
 
لا شيء سيتحقَّق في ملف «الإستراتيجية» بالتأكيد. إذاً، لماذا يريد سليمان هذا الحوار، ولماذا يريده «الحزب»؟
 
ثمّة اعتقاد بأنّ الرئيس يريد القول للجميع: «قمتُ بواجبي حتى النهاية». فبعد الحكومة، هو يعمل لانتخابات رئاسية في موعدها، والتمهيد لقانون انتخاب وانتخابات نيابية في العهد المقبل، أي بعد انتهاء مهلة المجلس الحالي في 20 تشرين الثاني. ومن خلال هذا المفهوم، يصبح المطلوب من طاولة الحوار، ليس البحث في المقاومة أساساً، بل اتخاذ القرار الجماعي لإدارة المرحلة المقبلة.
 
ومن هذه الزاوية، يصبح للحوار دور مختلف. فهو سيتمُّ تحت ضغط المهلة الدستورية والقلق من انتهاء الولاية الى الفراغ. وسيشكِّل الحوار غطاء لحسم الخيارات في الاستحقاقات الدستورية الآتية كلها: الرئاسة والحكومة الأولى للعهد الجديد والانتخابات النيابية.
 
وهناك مَن يقول إن التسوية حول حكومة سلام ما كانت لتُنجَز لو لم تكن جزءاً من تسوية شاملة حول الإستحقاقات الآتية كلها. وبحسب أصحاب هذا الرأي، هناك صفقة عُقِدت في الظل، يمكن اعتبارها «دوحة» جديدة، وستَظهر مفاعيلها تباعاً بدءاً من الإستحقاق الرئاسي المقبل. ومن هذا الرأي، العونيّون الطامحون إلى «ثلاثية ذهبية»: عون - برّي - الحريري.
 
لكنّ الرأي الأرجح هو أن الحكومة السلامية هي حكومة إنتقالية، ومهمتها إمّا التهيئة للتسوية الموعودة إذا اكتملت ظروفها، وإمّا إدارة الأزمة في الحدّ الأدنى دستورياً وأمنياً واقتصادياً، إذا تعثّرت التسوية لأسباب خارجية. ومن هنا الإصرار العربي والدولي على إشراك الجميع في هذه الحكومة.

هل المعطيات الخارجية، السورية خصوصاً، توحي بتسوية في لبنان؟
 
الجوّ في سوريا يميل إلى الآتي: الرئيس بشّار الأسد سيجدّد ولايته الرئاسية... ولكن على البقعة الممتدة من الساحل إلى دمشق. ولن تعترف المناطق الشاسعة إلى الشرق به كرئيس لـ»سوريا السابقة». وحتى إشعار آخر، سيحتاج إلى دعم «حزب الله» لرَبط مناطقه و»تنظيفها».
 
لذلك، سيبقى «الحزب» هناك، وسيحتاج في لبنان إلى غطاء يَقيه الإرتدادات الداخلية، وإلى مَن ينفِّذ له مهمات داخلية معيّنة تلوح معالمها بعد يبرود. وعلى هذا الأساس سيساوم في الحوار. وستشمل المساومة مواقع الرئاسة وسواها: مَن هو المستعدُّ لإعطائي لكي أُعطيه؟
 
فالحوار المنشود في بعبدا سيكون حواراً حول المساومة لا المقاومة، وهو يقرِّر مصير الرئاسة لا «حزب الله». وهنا تكرُّ سبحة الأسئلة والسيناريوهات حول الخيارات الرئاسية، وتكرّ وراءها أطياف التجارب والمآزق والدروس القريبة والبعيدة... على أنواعها.


الجمهورية 19\3\2014

إرسال تعليق

 
Top