0
كتب ناظم الخوري - لبنان الإستقلال، لبنان الميثاق الوطني الذي أقّر وجوب العودة إلى الداخل اللبناني، والتخلّي عن النظر إلى الخارج الإقليمي والدولي بقناعة رجلين بما ومن يمثلان الرئيس بشارة الخوري والرئيس رياض الصلح.
 

منذ ذلك التاريخ توالت المراحل المهمة التي طبعت الحالة اللبنانية، إتفاق القاهرة أُبرم بعد إقحام الفصائل الفلسطينية نفسها عسكرياً في الداخل اللبناني، وبنتيجة هذا الإتفاق ولدت سلطة فلسطينية بمجموعات عسكرية متقاربة أو منفصلة، جعلت من الجنوب اللبناني منطقة معزولة عن الدولة اللبنانية، وكانت لهذه المجموعات والظروف المحيطة بها وبممارساتها اليدُ الطولى في اندلاع شرارة الأحداث الداخلية على الأراضي اللبنانية في العام 1975.
 

إستمرت هذه الأحداث الدامية والأليمة زهاء خمسة عشر عاماً، ولم يوقفها إلّا إتفاق الطائف، الذي استند أساساً إلى الميثاق الوطني، على أمل تطوير وتحديث الدستور، لكن هذا الإتفاق اجتُزءَ تطبيقُه وأهملت بنود أساسية وهامة منه، مما رسّخ المشاكل الطائفية والمذهبية.
 

في العام 2005 وبعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وما تلاه من اغتيالات لوجوه سياسية لبنانية بارزة، وبعد الإنسحاب السوري، دخل لبنان في مرحلة انقسام حاد حتّم الدعوة إلى مؤتمر الدوحة، وفيه تمّ الإتفاق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية، كما تم التفاهم على بعض البنود التي كان يمكن أن تنتج نوعاً من هدنة داخلية تؤسس لمعاودة الحوار، لو تم الإلتزام بها، ولكن ذلك لم يحصل .
 

الحوار الوطني الذي كان دولة الرئيس نبيه بري قد أطلقه تحت قبة البرلمان، حيث تم التفاهم على بعض العناوين التي لم تطبّق في غالبيتها، ومنذ لحظة إنتخابه، أعاد فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان إحياء هذا الحوار، فالتأمت بدعوة منه في القصر الجمهوري «هيئة الحوار الوطني» التي تضم القيادات السياسية الأساسية، وكان اجتماع الهيئة دورياً حيناً ومتقطعاً أحياناً أخرى، وذلك تبعاً للإنقسامات السياسية الحادة.
 

وإيماناً منه بجدوى الحوار وضرورته، فقد أولاه فخامة الرئيس إهتماماً خاصاً، وأنشأ لتحضيره ومواكبته لجنة نخبوية من المفكّرين في السياسة والقانون، وقد واظبت هذه اللجنة على عملها الجدّي بشكل منتظم.
 

لماذا الحوار؟
 

إن الميثاق الوطني هو أساس دولة ما بعد الإستقلال، وقد قام على شعار: «لا شرقاً ولا غرباً» بل لبنان الصيغة الفريدة، وكانت المشاركة الكاملة لجميع الطوائف والمذاهب المكوّنة للنسيج اللبناني، في أساس فلسفة هذا الميثاق، ما دفع البابا القديس يوحنا بولس الثاني إلى إطلاق عبارته الشهيرة «لبنان الرسالة».
 

إن لبنان «بلد الأقليات»، وقد تميّز بذلك، وتميّز بديمقراطية خاصة به لا تكتفي بحكم الأكثرية المنتخبة، بل تتعدّاها إلى إشراك وحماية الأقليات... هذا ما كانَ لبنان سبّاقاً في ابتكارِه رغم الشوائب التي اعترت لبننة بعض المفاهيم.
 

بعد الميثاق، كان اتفاق الطائف، ومن ثم إعلان بعبدا، واليوم يتلخّص الوضع اللبناني بالآتي: سياسياً، إن مفهوم السيادة والكيان والإستقلال وغير ذلك من المفردات التي تندرج في إطار النظرة إلى الدولة قد تبعثرت، وأدّت إلى تفاوت في رؤية المواطنين وفي كيفية تعاطيهم مع الدولة.
 

ان الصيغة اللبنانية، على فرادتها وتميّزها في إشراك الجميع، وقد ميّزت لبنان عن محيطه، تعترضها اليوم الأحداث التي تلف الساحة العربية والإقليمية بتعقيداتها المذهبية فتجعلها هشّة تواجه خطر الإنهيار.
 

والدولة، أي دولة المؤسسات، تعصِف بها الأزمات من كل ناحية وصوب، فقد هُدِرَت ثلاث سنوات بسبب الخلاف السياسي منذ انتخاب الرئيس سليمان العام 2008 في تشكيل الحكومات، مما خلّف غياب التخطيط والإنماء وشبه شلل في الإدارة التي أصبحت غالبية مراكزها ومسؤوليها بالتكليف أو بالإنابة، كما انسحب هذا الوضع على المؤسسات الأمنية والرقابية والقضائية...
 

إن السلطة التشريعية، وقد حالَ الإنقسام الحاد دون انعقاد الهيئة العامة لمجلس النواب بشكل منتظم ودوري، فقدت ديناميتها وانتاجيتها ولم تعد تواكب التشريعات والقوانين الضرورية الملحّة لدورة الحياة الإقتصادية والإجتماعية والإنمائية، وما تمديد المجلس لنفسه إلّا تمديداً لحالة غير متعافية، فنرى السلطة التشريعية لا تجتمع والمجلس لا ينعقد، وقد بِتنا على قاب قوسين من الإستحقاق الرئاسي في 25 أيار.
 

في الخلاصة إن لبنان يمر اليوم بحالة انعدام وزنٍ وشبه فراغ في السلطة التنفيذية، إذ انتقلت إشكالية التشكيل بعد عشرة أشهر ونيّف من الإنتظار الثقيل إلى انتظار أثقل، أي انتظار البيان الوزاري.
 

أضف إلى ذلك انعكاسات الأزمة السورية الكارثية على لبنان بما فيها «قضية النازحين السوريين»، وقد فاضت بهم قدرة استيعاب البلد، وباتوا يشكلون خطراً جدياً أمنياً وإقتصادياً وإجتماعياً. الدعوة ملحة الى التئامٍ سريعٍ وواعٍ ومسؤول «لهيئة الحوار الوطني»، لأن لبنان يمّر في مرحلة مصيرية غير مسبوقةٍ في تاريخه.
 

فالثقة ولو بالحدّ الأدنى، والمصارحة ولو بخجل، هما المدخل الأساس لحوارٍ بنّاء ومنتج يعيد تفعيل عمل المؤسسات، ويُضفي حالة من الإستقرار السياسي والأمني، ويحفظ الثروة الطبيعية المخزونة من نفط وغاز...
 

فلنُلاقِ إذاً، وبروح إيجابية، الحراك الدولي والعربي لدعم لبنان.إن القيادات السياسية على اختلافها وتنوّعها وخلافاتها، هي المسؤولة عن حماية الوطن بكلِّ مواطنيه.
 

نحن على مفترق خطر بين سبيلين: المجهول بأخطاره إذا استمرينا في التعنّت والتشرذم، أو سلوك طريق الحوار المنقذ للبنان الوطن والدولة والمواطن، فإذا زال الوطن، يا قيادات لبنان، زال معه مبرّر وجودكم...
 

لكن لبنان باقٍ - وزير البيئة السابق

الجمهورية 12-3-2014

إرسال تعليق

 
Top