0
كتب جورج شاهين - من نافل القول إنّ معركة يبرود لم ولن تكون الأخيرة، فالمأساة السورية طويلة وعمليات الكر والفر مستمرة في مناطق يتقدم فيها النظام وأخرى تتقدم فيها المعارضة. لكنّ لمعركة يبرود خصوصية لبنانية، وإن أقفلت جبهة يبرود عملانياً، فإنّها فتَحت جبهات عدة في لبنان، فكيف السبيل الى هذه القراءة؟

تعترِف المراجع الأمنية اللبنانية بأنّ الإنفلات الأمني الذي شهدته معظم المناطق اللبنانية أمس الأول لم يكن مجرَّد بروفا لمظاهر الفتنة المذهبية المتوقّعة في البلاد، بمقدار ما كانت اولى جولاتها المتعدّدة الوجوه. فقد عكست المعارك الدائرة في منطقة القلمون السورية والسيطرة على يبرود تحديداً، تردداتها السلبية على عرسال ومحيطها، الأمر الذي أدّى الى فتح جبهات جديدة في لبنان.

وبرَزت من خلال موجات الإطارات ومكعبات النفايات المحترقة حدود الجبهات المتوقعة في طول البلاد وعرضها من بقاعها الى شمالها والجنوب، ومن قلب بيروت الى عمق البقاع، ولما عمَّت مظاهر الفلتان في معظم مناطق التماس السنّية - الشيعية، لم يكن لها ايّ مبرِّر، كونها «ردات فعل عفوية وغير منظمة»، فاعتبرها الدعاة اليها ومنظموها مشروعة بمقدار ما شرَّع الفريق الآخر الحصار المعلن على عرسال.

فحجم الضغوط التي أنتجها سقوط يبرود والحديث عن انتقال آلاف المسلحين الى الأراضي اللبنانية وتخوم عرسال، فتح العيون على المناطق التي يمكن أن تكون أهدافاً للنظام السوري وحلفائه اللبنانيين في القريب العاجل، فباتت أهدافاً مشروعة لكلّ أشكال العمليات العسكرية.

وهذه الخلفيات، مضافة الى الفلتان في طرابلس، شكَّلت مضمون التقارير التي رفعها قادة الأجهزة الأمنية على طاولة الإجتماع الأمني الموسع الذي دعا اليه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان صباح امس في قصر بعبدا. فتعدَّدت السيناريوهات التي استعرضها المجتمعون. وعلى رغم التناقضات الخفيفة في تقديم الأحداث واسبابها كل من زاويته، فقد أجمع الحاضرون على أنّ ما جرى كان مرآة لما يجري في سوريا.

لا بل هناك مَن تجرّأ وقال إنّ ما حصل في طرابلس وعرسال لن تكون له نهاية قبل أن تنتهي مأساة السوريين، والتي تركت اولى انعكاساتها السلبية على اللبنانيين الذين قرّروا الإنخراط في الأزمة السورية كلٌّ على طريقته، منهم من التحق بها بآلاف المقاتلين وبكامل عدّته وعديديه وأسلحته، ومنهم من اكتفى باللجوء الى حرب المال والتمويل والعصابات، وقد ظلَّلت تدخلات الجانبين سلّة من الفتاوى الدينية تُبرّر القتال هناك سواء على سبيل الجهاد او على قاعدة الجهاد المضاد.

وعليه، حذرت التقارير الأمنية من مخاطر استمرار المواجهات الداخلية في لبنان والتي يمكن أن تُحيي الفتنة بين ليلة وضحاها، في وقت يراهن البعض على دور القوى العسكرية في لجم التدهور، وعليه فقد كُلِّف الجيش مهمة الإنتشار في عرسال ومحيطها وصولاً الى الهرمل، وعلى طول الحدود ما امكن بقوة تقدّر بما يقارب الـ 3500 ضابط وعسكري، مضافة الى قوى أخرى للأمن الداخلي، كلفت مهمة توقيف السيارات وتفتيشها بحثاً عن المتفجرات والمسلحين.

وعلى وقع بدء تنفيذ القرارات المتخذة، ارتفعت المخاوف من عدم قدرة أيّ قوة امنية على ضبط آلافٍ من الكيلومترات الشاسعة من الحدود المشتركة بين البلدين ومنع نقل السيارات المفخخة، وهو امر سيقود الى وضع الجيش في مصيدة بين نارين.

والأخطر أن يتحوّل الجيش قوة فصل بين الجيش السوري متى استعاد سيطرته على الحدود والمسلحين في لبنان، فكيف سيكون عليه الحال؟ وعلى رغم صعوبة التفريق بين السيناريوهات السلبية، فقد اجمعت القراءات الأمنية على اعتبار أنّ إقفال جبهة يبرود فتحت جبهات لبنانية عدة، والأخطر أن تتحرّك هذه الجبهات على وقع ما هو منتظر من معارك في الداخل السوري، ولا يرى أحد تردداً لها سوى في لبنان.

الجمهورية 20\3\2014

إرسال تعليق

 
Top