كتب راجح الخوري - ليس السؤال ما اذا كان فلاديمير بوتين من الحماقة ليدفع بمدرعاته من القرم الى عمق اوكرانيا، السؤال ما اذا كان باراك اوباما من الحكمة ليبادر الى إيجاد بوابة خلفية كمخرج يحفظ ماء وجه موسكو ويحافظ على وحدة اوكرانيا.
على هامش مؤتمر باريس من اجل لبنان التقى جون كيري نظيره سيرغي لافروف، داعياً الى محادثات جادة تنهي ازمة اوكرانيا، وبعد اقل من ٤٨ ساعة جاءت المفاجأة: تراجعت لغة التشدد الروسية، واعلن لافروف الاستعداد لبدء "حوار نزيه وعلى قدم المساواة مع القوى العظمى الأخرى حول الأزمة". اهمية هذا الكلام انه لا يستجيب الدعوة الى الحوار فحسب، بل يقبل شراكة الغرب في حل مشكلة في داخل "البيت الروسي"!
المؤشرات لرغبة موسكو في حل يخرجها من المأزق الاوكراني ويحفظ مصالحها فيها، وخصوصاً في ميناء سيباستوبول على البحر الاسود، قاعدتها المتقدمة للقفز جنوباً، بدت واضحة وراء كلمات بوتين في مؤتمره الصحافي الاسبوع الماضي:
اولاً - عندما نفى ان تكون قواته قد احتلت شبه جزيرة القرم، بعدما أمرها منذ البداية بألا تضع شارات توضح هويتها للإيحاء بأنها من العناصر المحلّية التي تعارض الانقلاب على يانوكوفيتش، وهذه تعمية محسوبة بعناية تساعده على الانسحاب نافياً ان يكون قد حصل غزو روسي!
ثانياً - عندما كرر القول انه متعاطف مع المحتجين في كييف ضد يانوكوفيتش قائلاً "اولئك الذين ضاقوا بمجموعة من اللصوص جرى استبدالهم بمجموعة جديدة من اللصوص"، بما يوحي انه يريد الظهور كاصلاحي وفق ما حدده لافروف قبل يومين، عندما دعا الى احياء اتفاق ٢١ شباط، الذي تم ترتيبه بالتعاون مع المانيا وبولونيا وفرنسا، اي تأليف حكومة وحدة وطنية والذهاب الى الانتخابات في ايار المقبل!
تأتي هذه المؤشرات في ظل حسابات تؤكّد ان ثمة معطيات ترسم نتائج شبه كارثية للتدخل، منها ان موسكو بعدما نظمت حملة دعاية شعبية واسعة، لتصوير تدخلها وكأنه "لمواجهة الاندفاع الاميركي الذي سيضعف روسيا"، فوجئت بأن ٧٣ ٪ من الروس يرفضون التدخل العسكري هناك، ومنها ايضاً النتائج الاقتصادية المذهلة، فقد هبطت بورصة موسكو الاثنين الماضي "الاثنين الاسود" بنسبة ١٠٪ وهو ما رتب خسارة ٦٠ مليار دولار في يوم واحد.
ثم ان حلفاء موسكو في الجمهوريات السوفياتية السابقة عارضوا علناً التدخل كما اعلنت كازاقستان وطاجيكستان، اضافة طبعاً الى العزلة الدولية التي ستواجهها موسكو، فقد سقط زهو سوتشي التي كان من المقرر ان تستضيف قمة الثمانية الكبار في حزيران ولكنها ألغيت!
ويبقى السؤال المهم: هل يجد اوباما مخرجاً لمأزق بوتين، ولكن بأي ثمن، وهل الفاتورة السورية جاهزة؟
النهار - 12-3-2014
إرسال تعليق