0
أنياب التوتر الأمني تفتك باقتصاد عاصمة الشمال 


غالبا ما ينشغل السياسيون في وهلة المعارك الاولى، باجراء الاتصالات وعقد الاجتماعات لمعالجة الخلل الامني، الذي بات ويا للاسف، دوريا في عاصمة الشمال، وسمة تطبع الاجواء في احياء طرابلس الشمالية الشرقية عموما وباب التبانة – جبل محسن – القبة خصوصا.

وعادة ما يثمر الجهد السياسي وقفا لاطلاق النار، مشفوعا بخطة انتشار للجيش وقوى الامن الداخلي، وبيانات سياسية تشدد على الثقة بدور المؤسسات العسكرية وعلى الضرب بيد من حديد ورفع الغطاء السياسي عن المخلين بالامن، لتصبح هذه المشهدية، مع التكرار، لازمة تتردد عند اندلاع اعمال العنف ونتيجة متوقعة بعد كل جولة من جولات الملاكمة الامنية السياسية.
 
وفي انتظار وقف اطلاق النار الاخير يسمح للمدينة بالتقاط انفاسها، يحاول اقتصاديو المدينة لفت الانتباه الى ما وصلت اليه الامور من شلل وركود باتت يهدد بانهيار شامل، ستكون له تداعيات وخيمة على عاصمة الشمال وعلى لبنان .
 
"نزولا عند رغبة السياسيين والامنيين بتدمير اقتصاد طرابلس، نعلن عن اقفال مؤسستنا وتصفية على كل موجوداتها " بهذه الكلمات التي رفعت على واجهة مؤسسته في منطقة التل وسط طرابلس، أعرب رجل الاعمال نافذ المصري عن رأيه في ما يجري من احداث وانعكاساتها على اقتصاد الفيحاء. فلجان المسح تقوم عادة، وبعد كل جولة عنف، باحصاء الخسائر المادية في العمران والمحال والبنى التحتية، بينما لا أحد يلتفت الى الاضرار الجسيمة غير المباشرة التي تلحق بمختلف أوجه النشاط الاقتصادي.
 
وهنا يبرز السؤال "من يعوض مثلا العمال المياومين ما تراكم عليهم من ديون جراء توقفهم القسري عن العمل؟، وكيف لسائق التاكسي ان يدفع اجرة السيارة وبدل "الكاراجية" عن عشرة ايام؟. ومتى سيكون للتاجر او صاحب المؤسسة القدرة على الايفاء بالمتوجبات المالية حيال الموظفين او العمال وفواتير الكهرباء والماء والهاتف، فيما عطلته القصيرة ومدخوله اصابهما الشلل وراس ماله يتآكل؟، علما بأن استعادة النشاط الاقتصادي بعد كل جولة عنف تتطلب أسابيع.
 
الارقام التقديرية لحجم النشاط التجاري والاقتصادي في مناطق الاقتتال في باب التبانة وجبل محسن والقبة وحدها كفيلة باعطاء الصورة عن حجم وتداعيات الاشتباكات والتوتر الذي يليها على معيشة الناس ونمط حياتهم.
 
ففي باب التبانة، ووفق احصاءات غير رسمية يعيش في منطقة التبانة نحو (55000) نسمة في أحياء شديدة الاكتظاظ ضمن (8800) وحدة سكنية، أي بمعدل 7 أشخاص في المسكن الواحد، اما الكثافة السكانية فتصل الى حدود (406) نسمة في الهكتار الواحد.
 
وتعتبر منطقة التبانة عموما منطقة تجارية (فواكه، خضر، خرضوات، ميكانيك سيارات، مفروشات وغيرها...) ويمكن تقسيم وضع الأسرة في هذه المنطقة الى أسر فقيرة، وأسر فقيرة جداً واخرى مُعدِمة.
 
وتضم نحو 400 مؤسسة تجارية ناشطة في عمليات التبادل التجاري، والعشرات من ورش الميكانيك والحدادة وصناعة المفروشات، والتي تؤمن العمل لنحو 50% من القوة العاملة في المنطقة ومحيطها والمقدرة بنحو 6 الاف عامل وموظف، بمن فيهم بائعو العربات والحمالون وسائقو آليات النقل في سوق الخضر الذي يضم 88 محلا تجاريا ومؤسسة يعمل في كل منها اشخاص عدة في اعمال ادارية ولوجستية.
 
والأحداث الأمنية لا تؤثر فقط في عملية التجارة والتسويق، فموقع باب التبانة يجعلها تضعف حركة المرفأ استيراداً وتصديراً، إذ إن الأوتوستراد الدولي يمر بقربها، كما يمنع مرور الشاحنات التجارية الداخلية، فضلاً عن أن موقعها يؤثر في حركة العمال والموظفين الوافدين والخارجين من والى العاصمة الثانية. كذلك أثرت هذه الحوادث، على مدى أيام عدة، على حركتي المواصلات والتواصل الاجتماعي مع وجود الجامعة اللبنانية في منطقة القبة المحاذية، فيما انقطع التواصل بين المناطق التي يعتبر محور التبانة - بعل محسن شريان مواصلات بينها.
 
ويوجد في جبل محسن نحو 60 مصنعاً للخياطة وصناعة الألبسة، تشغل ما لا يقل عن 4 آلاف عامل، من المناطق المجاورة، وهي تنتج نحو 150 ألف قطعة ثياب جاهزة، يوزع 90% منها الى الأسواق المحلية و10% للأسواق الخارجية، وهذه الحرب بالطبع ستكون لها انعكاساتها السلبية على الاقتصاد اللبناني عموما، لأن الشمال جزء لا ينفصل عنه.
 
اذا الارقام مخيفة، وحجم الخسائر غير المباشرة يصعب تخمينها خصوصا أن أجواء التوتر والشائعات السلبية لا يزالان مسيطرين ويكادا يشلان الحركة حتى في الشوارع والاحياء البعيدة عن خطوط التماس، إذ اصبح سماع صوت الرصاص فال شؤم ومؤشر على قدوم خطر الانفجار الامني، وتاليا تتراجع الحركة سريعا في الاسواق وتخلو الشوارع من المارة وتلتزم الناس بيوتها، حابسة الانفاس خوفا من تطورات مجهولة لديها معلومة عند من يتربصون بها.


النهار 20\3\2014

إرسال تعليق

 
Top