0

تفجر الصراع بين الرئيس الفلسطيني محمد عباس وأعضاء من كوادر حركة فتح، ابرزهم محمد دحلان والعقيد "اللينو" في مخيم عين الحلوة، وما زاد الامور تعقيداً حادثة اغتيال العقيد جميل زيدان مدير مكتب صبحي ابو عرب (قائد الامن الوطني في لبنان)، وهو فلسطيني من مخيم عين الحلوة، يعيش في حي الطيرة، وهو البقعة التي يسكنهاالمتشدد الاسلامي بلال بدر الذي هو في حالة صراع دائمة مع جماعة فتح ممثلة بتيار العقيد اللينو.

والعقيد جميل مقرب من كل القوى الفلسطينية والإسلامية، وهو مناضل وذو تأثير في المخيم. وتشير بعض القوى الفلسطينية الى انه قد تكون هناك جهة خارجية استغلت الخلاف بين فتح والإسلاميين، وقامت بعملية الاغتيال لخلط الاوراق داخل المخيم. 

وهذه الحادثة هي السابعة من نوعها في عملية الاغتيالات التي تطال الكوادر الفتحاوية، وكان البندقية الفتحاوية قد استنفذت وجودها بالنسبة للبعض، حيث ان عمليات الاغتيالات التي تطال الكوادر الفتحاوية تمر مرور الكرام وكانها خبر عادي. ومن هنا فإن ما يحصل انما يشرالى تخوفات من اندلاع اشتباكات فلسطينية فلسطينية داخل المخيم مما يترك ذلك من انعاكاسات على محمل الساحة الفلسطينة والجوار، لذلك كان لا بد من الاسراع الى محاولة السيطرة على الموقف في محاولة لاحتواء الوضع عبر تسويق مبادرة داخلية تشارك فيها كل القوى المعنية بالامر للحفاظ على امن المخيم، وعدم الانجرار الى ما لا تحمد عقباه وبخصوصاً في الظروف الحالية.

وفي هذا الاطار، يقول الدكتور محمود الحنفي رئيس جمعية شاهد الحقوقية الفلسطينية "أننا نشعر بالخوف، ودئماً نطلق النداءات، والقيام بخطوات استباقية، تحسباً من تطور الاحداث والمشاكل التي قد تحصل بين الاطراف والتي لا يتمناها احد". 

ويتابع حديثه بالقول:"مؤسسة شاهد جسم قانوني، ولا تملك القدرات العسكرية لحسم الموقف على الارض، بل تحاول حث القوى والأحزاب على لعب دوراً ريادياً وأساسياً في الساحة الفلسطينية الداخلية لتجنب اي اشكال قادم. 

فالمؤسسة تحاول التشجيع على المضي بطرح مبادرة توافقية بين مختلف الفصائل وتسويقها داخليا ومع الجوار اللبناني، لكي تمتص حدوث اي انفجار قادم او منعه اذا استطاعت الى ذلك سبيلاً، ريثما تتغير الاجواء المحيطة، كون الملف السوري عكس نفسه على الجوار، وبدأ دخان الازمة يتصاعد من المخيمات جراء ذلك الملف – الازمة. 

 وهنا يكمن دور كافة الفصائل من اجل التوافق على قواسم مشتركة اساسها تجنيب المخيم اي اشكال. فالمخيمات تعيش اياماً صعبة، وبخاصة مخيم عين الحلوة، حيث بدأت تبرز حالة الصراع الفلسطيني بشقيه الفتحاوي- الفتحاوي من جهة، والفلسطيني السلفي من جهة اخرى، ناهيك عن حالة التهميش والحصار والتضييق الاقتصادي ما خلق وضعاً انسانياً صعباً، شرع البيئة الى الذهاب نحو التشدد والتطرف عند البعض"..

ان سلوك طريق الاغتيالات داخل المخيم، انما هو مسالة خطيرة ومؤذية للجميع داخل الصف الفلسطيني، ما ينعكس سلباً ويشكل مرحلة خطيرة على مجمل الواقع الفلسطيني.

 ففي المخيم قيادة سياسية ولجنة متابعة امنية مشتركة من كافة الفصائل مهمتها الاساسية ضبط الشارع في المخيم، وبخاصة في ظل الانقسام السياسي الفلسطيني الذي كان يمثل دورا كبيرا في توتير الملفات وعدم الاستطاعة في معالجتها حيث كانت تترك فراغا امنيا مخيفاً . 

اما اليوم الوضع مختلف، حيث ان هناك لجنة المتابعة الفلسطينية التي تقوم بمتابعة كل الامور الصغيرة ومحاولة تطويقها من قبل الفصائل الوطنية والإسلامية كافة، لان القوى الاساسية اضحت متفقة ومتفاهمة على ضرورة توحيد كل الجهود لكبح الفلتان الامني الذي يحاول النيل من المخيمات، وعين الحلوة تحديداً. وهذا يتطلب بالأساس التعاون مع الاطراف الفلسطينية واللبنانية المختلفة والأجهزة الامنية الاخرى.

ولدعم المبادرة الفلسطينية المذكورة، تحاول القوى الاسلامية والوطنية اطلاقها تحت عنوان "تحيد المخيمات الفلسطينية عامة وعدم جرها الى اشكالات داخلية فلسطينية والى مناطق الجوار اللبناني"، وبخاصة بظل انعاكس الملف السوري على لبنان والمخيمات الفلسطينية في لبنان وسورية. وتحاول المبادرة اخراج وثيقة تفاهم بين القوى الفلسطينية المختلفة الاسلامية والوطنية، ومن ثم تسويقها لبنانياً مع الاطراف وتحديداً "حزب الله" وأمل، وفيما بعد القوى الاخرى ومع الدولة اللبنانية حيث لاقت هذه المبادرة في المبدء قبولاً في الشارعين الفلسطيني واللبناني، برز ذلك من خلال الزيارات واللقاءات التي تمت مع القوى المعنية من خلال التنسيق المباشر أو من خلال الاجتماعات الخاصة الهادفة الى تسويق هذه الفكرة.

من جهتها، ترى حركة حماس بأن الخروج من ازمة المخيم وضبطه من خلال:

التفاهم الفلسطيني –الفلسطيني والمواقف الموحدة، في ضبط ساحة المخيم امنياً وسياسياً واجتماعياً، والتفاهم اللبناني–الفلسطيني أساس في تحييد المخيمات عن الصراع والأزمات القادمة، وفي ضبط الحركات السلفية التي تسمى "الشباب المسلم في المخيم"، وفصل الملف السوري عن ازمة المخيم والجوار، وكذلك العمل على إبقاء الخلاف الفتحاوي - الفتحاوي داخل البيت الفتحاوي الفلسطيني، وعدم السماح بتطوره كي لا يتم استغلاله. 

فالمشكلة الامنية وقصة الاغتيالات في المخيمات تتطلب معالجة جذرية لهذه الامور في تفعيل دور كل القوى الفلسطينية. وفي هذا الاطار، يشدد مسؤول حماس في مخيم عين الحلوة ابو احمد طه على ان الحركة ومن خلال موقعها داخل المخيم وقدراتها العسكرية والأمنية مع القوى الاخرى تحاول ضبط الشارع الفلسطيني بالتنسيق مع القوى والإطراف اللبنانية والفلسطينية". 

واليوم جميع القوى في الشارع الفلسطيني تتحدث عن طرح مبادرة فلسطينية، وهذه المبادرة يجب ان تقوم على التوافق بين القوى لتحييد المخيم عن اتون الصراع والفلتان الداخلي من خلال تصميم كل القوى على الشعور بالخطر لجهة تنامي الافكار والنتوء المتشددة التي لا تمثل الا نفسها، وليس الشعب الفلسطيني ككل.

لذلك تأمل القوى من الدولة اللبنانية مساندة هذه المبادرة ودعمها وتامين الغطاء للقوة الامنية المنوي تشكيلها، من قبل كل الاطراف الفلسطينية الوطنية والإسلامية وتوسيع دورها لضبط امن المخيم وتولي شؤونه، والتنسيق مع الاجهزة الامنية المعنية، وهذا تتطلب تسير امور الناس الحياتية والمعيشية وبحث كل الملفات الامنية الفلسطينية العالقة داخل الخيم وخارجه مع الدولة، من خلال طاولة حوار فلسطينية-لبنانية، ضرورة تأمين موقف سياسي داعم من السلطة الفلسطينية وتامين دعم مالي يحل مشاكل الشباب، وبالتالي القوى الفلسطينية المختلفة يمكنها استثمار علاقاتها السياسية مع الاطراف اللبنانية المختلفة لإنجاح هذه المبادرة التي تخدم الشعب الفلسطيني وتحل مشاكل متعددة.

اما فيما يخص ملف المطلوبين، وهو ملف خاص، حيث تجب دراسة كل حالة منفردة، وبخاصة بعد تشكيل الحكومة، وقد يتفعل هذا الملف بشكل جدي للوصول الى النتيجة المرجوة.

وفي السياق، يقول المسؤول السياسي لحركة الجهاد الاسلامي شكيب العينا: "ان العبث الامني او الاستهداف او الاغتيالات او مظاهر التفجير داخل المخيمات او الجوار انما هو استهداف مباشر للمخيمات للنيل من دورها المقاوم والهادف لمنع تحقيق العودة. 

هذه النتؤ التي تمارس اعمال مخلة بالأمن هي فلسطينية الهوية صحيح ولكن المخيم ليس مسؤول عنها. فالهدف من وراء هذه الاعمال يهدف الى ابقاء المخيم تحت دائرة الضوء الامني والاستنزاف الشعبي والسياسي. 

برأي الجهاد الاسلامي أن غياب المرجعية السياسية الفلسطينية القوية لمواجهة كل الظواهر المخلة بالأمن هي التي تشجع على ذلك الفلتان، ومن هنا كانت "الجهاد" من ابرز الفصائل الفلسطينية التي استشعرت الخطر وعملت على طرح مبادرة فلسطينية مع فصائل العمل الوطني والإسلامي لإيجاد مرجعية وطنية وإسلامية فلسطينية واحدة داخل المخيمات وتكون مقبولة في الداخل والجوار اللبناني، بما يحقق مصلحة الشعبين اللبناني والفلسطيني. ويرى العيناات ذلك منوط بـ:
 

- تثبيت لقاء سياسي فلسطيني شهري في سفارة فلسطين ممثلة فيه كل القوى الفلسطينية والإسلامية.

- اللقاءات الثابتة مع الجهات اللبنانية المختلفة ومع الدولة بأجهزتها لكون كل القوى اللبنانية متوجسة مما يجرى داخل المخيمات الفلسطينية.

والمطلوب من الدولة والقوى اللبنانية:

- الاقرار السريع بالحقوق الوطنية والاجتماعية الفلسطينية من خلال نصوص دستورية.

- تخفيف التهميش والعزلة التي تعيشها المخيمات الفلسطينية من خلال الحصار الامني والاجتماعي.

- سحب الملفات الأمنية ومعالجتها من خلال لجنة العلاقات اللبنانية الفلسطينية.

- تشكيل لجنة أمنية من الفصائل والأجهزة الفلسطينية المختلفة.

- الدعم السياسي اللبناني والأمني والقانوني للقوة الأمنية وللجان المشتركة.

- على الجانب الفلسطيني التوصل فوراً إلى لجنة تنضم شؤون أمن المخيم.

- تشكيل قوى أمنية سريعة فاعلة تأخذ على عاتقها حماية أمن المخيم ومنع الفلتان وتهديد الجوار.

لكن العقيد منير المقدح قائد كتائب الأقصى في حركة فتح وإبن المخيم والذي كان ولا يزال قائداً ميدانياً لحركة فتح يرى: إن حل الإشكالات الأمنية في المخيم بشكل سريع يتطلب قراراً صارماً من الرئيس الفلسطيني مباشرة وخاصة أنه حدد المشاكل وطرق حلها تفصيلياً عبر رسالة بعث بها للرئيس محمود عباس طرح فيها ما يلي:

1- ضرورة استيعاب الشباب الفلسطيني وتطويعه في صفوف الحركة لتفعيل أطرها التنظيمية والعسكرية.

2- ضرورة ترتيب وتفعيل القوى الأمنية وتجهيزها عسكرياً ومالياً.

3- خطورة الوضع الإقتصادي الذي ينعكس على المخيم وشبابه وبالتي تأمين مصادر اقتصادية.

4- غياب الشخصيات السياسية والقيادية التي لا تزال بعيدة جداً عن هموم المخيم ومشاكله وبالتالي هي لا تستطيع الدخول إلى المخيم والعيش فيه.

5- مشكلة فتح نفسها وغياب قرارها الداخلي المترهل والضعيف والذي يتطلب إعادة فرض دورها القيادي والريادي..

ويشدد المقدح على ان فتح قامت بالسابق ببناء علاقة مميزة من الثقة مع كل القوى على الساحة اللبنانية والفلسطينية. فاليوم أضحت العلاقة مغيبة، فالقوى والأحزاب والدولة اللبنانية بأجهزتها تساعد في إعادة دور لفتح وتطالبها بإعادة النظر في دورها، وهي مستعدة للتعاون والمساعدة معها، وفي الوقت عينه، تقول الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية: "أنتم الاساس خذوا الدور الريادي".

أما ماهر شبيطة "أمين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير" في مخيم عين الخلوة يقول: منذ تأسيس حركة فتح في العام 1965 والعدو الاسرائيلي يستهدف حركة فتح لأفشل دورها بالإضافة الى وجود بندقية مأجورة في الشارع الفلسطيني تنفذ مآرب العدو منذ وجود صبري البنا "ابو نضال" الى يومنا هذا، من خلال هذه المجموعات الماجورة، للنيل من القرار الفلسطيني المستقل والتي تحاول بعض الاجهزة تامين بندقية "للأجرة"، لأن هدف الإغتيالات هو زعزعة وضع الحركة والإهتمام بهذه المجموعات. 


فالاغتيالات هي ليس بجديدة ضد كودر فتح ولكن الحركة تحاول ترتيب الأوضاع ويوم الأحد الماضي، كان يوماً تضامنياً مع حركة فتح والرئيس أبو مازن، والحركة تحاول بناء قوة أمنية مع كافة الفصائل الفلسطينية تكون مهمتها محاصرة هذه الأعمال والمخلين بالأمن وكشفهم وتعرية مشروعهم الإجرامي وتسليمهم إلى الدولة اللبنانية لأن المخيمات تحت سلطة الدولة اللبنانية، وبالتالي الحركة اعلنت بأنها لن تقف مكتوفة الايدي ازاء ما يحصل، ولن تكون حقل تجارب والدخول في مستنقع قتال فلسطيني يستفيد منه العدو الاسرائيلي، ولن تستدرج الحركة لهذا المستنقع.

يقول عصام الحلبي الناطق الإعلامي بإسم الأمن الوطني الفلسطيني: "ان اشكالية فتح بشكل عام واللينو بشكل خاص مع الاسلاميين هي محاولة اضعاف حركة فتح من خلال توجيه ضربات قاسية عبرالاغتيالات لكونها الجسم الأساس والعمود الفقري للشعب الفلسطيني، وضرب هذا الجسم يعني استنزاف الحركة ما يساعد على ظهور "اجسام صغيرة طفيلية" تعبث بأمن الشعب والمخيمات. 


ولمنع ظهور تلك الاجسام هناك تحالف بين حركة فتح وعصبة الانصار والحركة الاسلامية المجاهدة وفصائل منظمة التحرير. كما يستعرض الحلبي شكل الانتقام الشخصي بين الاطراف والمناطق والعائلات الممثلة بمجموعة بلال بدر من ناحية، ومجموعة اللينو من ناحية اخرى ما يهدد بخطورة كبيرة وظهور صراع فلسطيني- سلفي، إضافة إلى الصراع الفتحاوي-الفتحاوي على النفوذ والسلطة داخل مؤسسات الحركة والمدعوم من قبل المناطق والاحياء.

ويشير عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية في لبنان علي فيصل الى: "اننا نسعى في الجبهة وندعو الى انجاح التفاهمات التي تتم فيما بيننا لأجل ابعاد شبح الصراع عن المخيمات، وكي تتمكن القوى المعنية من تجنب أي إشكال أمني وتفويت الفرصة على العابثين بالأمن يجب تشكيل قوى ولجان شعبية وأمنية تحت قيادة موحدة تطمئن الجميع عبر إدارة يومية لإدارة شؤون المخيمات وأمنها العام.


وفي النهاية، لا بد من القول ان القوى السلفية التي تحاول توجيه ضربة الى حركة فتح لاضعاف نفوذها ودورها التاريخي، لكون الحركة بالنهاية صاحبة مشروع وطني تستطيع من خلاله مخاطبة الجميع والخروج به الى العالم، ولأنها بالأصل خرجت من رحم هذا المشروع وتحمل هموم وشجون الشعب الفلسطيني الى العالم قاطبة. 


وبالتالي، محاولة ادخالها في أزمة داخلية تبدأ باللينو وتنتهي بفتح كلها، ولأن المجموعات الصغيرة والمشرذمة التي تقوم باستهداف فتح هي تابعة لأجندات ومخابرات خارجية وتنفذ استراتيجية خارجية، هذه القوى لن تنجح في مشروعها واهدافها اذا تمت محاصرتها عبر الحوار والتفاهم من جهة، والعمل على محاصرة الفكر "القاعدي" بين عناصرها من جهة اخرى ما يجنب الصف الفلسطيني الكثير من الدماء.

د.خالد ممدوح العزي - كاتب وباحث بالعلاقات الدولية والإعلام السياسي.



إرسال تعليق

 
Top