كتب عيسى بو عيسى - ما ان تم سحب سفراء بعض الدول العربية من دولة قطر وفق حسابات التسابق على ادوار اقليمية في المنطقة والخليج حتى بانت الاصابع القطرية من جديد في ملف يمكن ان يعيد الضوء الى بعض ما افتقدته من وهج ابعدتها السعودية ومجلس التعاون الخليجي عنها، واختارت قطر تقول مصادر في 8 آذار النفاذ بملف المخطوفين بكلفة معتدلة النفقات سياسيا وماليا وهذا ما يترافق مع كلام كثير حول اعادة بعض العلاقات على مستويات دنيا مع القيادة السورية في دمشق، فطارت قطر من الباب لتدخل من شباك ما تبقى لها من وشائج القربى مع بعض الجماعات المسلحة التي تحارب النظام في سوريا، هذا اذا ما تم استبعاد العامل الميداني في مناطق القلمون وبالتالي تصبح اوراق الراهبات وسط المعارك مجرد ورقة يمكن النفاذ منها او العكس،
وتقول المصادر نفسها ان تقدم الجيش السوري نحو يبرود يمكن ان يشكل عاملا كبيراً لاطلاق المحتجزات من راهبات معلولا والفائدة من بقائهن في أيدي جبهة النصرة لا يمكن صرفها في اماكن تحتاج فيها هذه الجبهة الى اموال كي تتمركز في محطات أخرى من حربها مع النظام في سوريا، بالاضافة الى ان امكانية اصابة الراهبات بأي سوء يمكن ان تخسر عندها قطر هذه الورقة بالكامل وهي بأمس الحاجة اليها على ابواب انعقاد القمة العربية في الكويت اقله من جانب الدول العربية التي ترى ان هذا العمل الانساني لا بد وان يقال له شكرا. على ان الشكر حسب هذه المصادر ليس حكرا على القطريين فالنظام السوري ساعد ابناؤه من الراهبات على الخروج من الجحيم الذي ستشهده يبرود الا ان صمام الامان الاساسي كان في تعبئة «البازل» المعقد لهذه القضية والذي تولاه اللواء عباس ابراهيم بكل روية وحكمة وصبر، وهنا تكمن المشكلة اي بالتفاصيل فالعناوين الكبيرة وتدخل قطر لحسابات لديها كانت ستحاسبها بعض الدول على تلكؤها في الوصول الى نهايات سعيدة لمجرد المونة لديها على بعض الجماعات المسلحة.
كل هذا العمل من فوق تضيف مصادر 8 آذار جاء ليعطي العنوان الاساسي لعملية الاطلاق والقرار المتخذ بشأنه اما تفاصيل القضية المعقدة والمتشابكة فكانت في عهدة اللواء ا براهيم وبالتعاون مع رئىس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي تابع المسألة بالدقائق وتقول هذه المصادر ان الملف بقي معلقاً حتى الساعة الاخيرة بفعل التعامل مع جماعات مسلحة وليس مع انظمة او دول ومن هنا جاء تحرك مدير الامن العام اللبناني بالتنسيق مع رئىس الاستخبارات القطرية الذي دخل شخصيا الى بلدة عرسال وانتظر فيها لساعات عدة مما يدل على اصرار دولة الاخير الى انهاء القضية مهما كلف الامر.
وتلفت هذه المصادر الى ان اللواء ابراهيم تحرك وفق قاعدة الصمت المطبق لان «سقوط شجرة واحدة يحدث ضجيجاً اكثر من نمو غابة بأكلمها»، فكان ابراهيم شديد الحرص على عدم تسريب اية معلومة كانت في حوزته منذ زمن بعيد لعلمه انما تطيح بالعملية بأكلمها، وبالطبع تحرك اللواء ابراهيم في الوقت المناسب وهو على علم بالحاجة القطرية والسورية الى انهاء الملف، الاولى لضمان علاقات خارجية جديدة والثانية اي سوريا لوضع ورقة في يد روسيا الحليفة، وهذا ما قرأه جيدا الضابط اللبناني العريق في علم الامن والمخابرات واضاف اليهما قناعة المخطوفين ان ما من احد باستطاعته انهاء الملف سوى اللواء عباس ابراهيم وهذ ما اسروا به بعد اطلاق سراحهم بحيث كانوا يعلمون وهم في اسر «جبهة النصرة» ان العناية الالهية واهتمام الامن العام اللبناني بشخص مديره كفيل بتنشقهم الحرية من جديد بعدما وصل الموت الى احضانهم.
وتعطي هذه المصادر تأكيدا ان بطريرك الموارنة والبطاركة الآخرين من الطوائف الكاثوليكية والارثوذكسية ان رجل المهمات الصعبة في الازمنة المصيرية يكمن في شخصية اللواء ابراهيم الذي كان قد زار البطريرك الراعي منذ فترة وخرج دون ان يعلم احد ولكن ملامح وجهه كانت تحمل بشائر بالفرج الآتي والتي فضّل الكتمان عليها الى حين انهاء مهمته التي يضاف اليها مهام أخرى وهي مصير المطرانين المخطوفين.
وفي هذا المجال لا تخفي مصادر الصرح البطريركي في بكركي الثقة العمياء باللواء ابراهيم بانجاز المهمة من جديد ليتحقق ما قاله أحد الآباء الارثوذكس بأن ابراهيم هو «لواء المسيحيين» في هذه الفترة المفصلية من حياتهم ويكاد لا يمر يوم الا ويتذكر الجميع كيف انقذ المخطوفين الشيعة ليتحول عمله الى عملية انقاذ وطني بامتياز معطوف عليها معالجته للاشكالات في المناطق السنية عندما كان نائباً لمدير المخابرات وقيل له آنذاك شكراً يا عباس.
على ان هذه المصادر تؤكد ان مصلحة قطر تكمن في توجيه رسائل متنوعة من خلال هذا العمل وفق التالي:
1ـ الى سوريا حيث باستطاعة قطر مساعدتها على معالجة بعض الملفات التي يحتاج اليها النظام في سوريا.
2ـ حاجة قطر الى مد جسور مع نظام فلاديمير بوتين في روسيا حيث تبدو الاخيرة مهتمة للغاية بقضايا المسيحيين في المشرق بعد الضغط الذي مارسته الكنيسة الارثوذكسية في هذا الاطار.
3ـ ولا تخفي هذه الاوساط ان قطر تعيد جدولة علاقاتها مع حزب الله وان بوتيرة اخف بعد انقضاض دول مجلس التعاون الخليجي عليها حيث بدت دولة منبوذة من قبلهم.
4ـ على ان يبقى ان السعودية لم تقل كلمتها فيما جرى حتى الساعة مع العلم ان الارضية اللبنانية تملك اكثر من نصفها المملكة العربية السعودية، ولم تصدر اية ردة فعل من جانب المملكة حتى الساعة حيث تبين لها ان قطر ماضية في سياستها واولها بعد حظر السفراء التحرك على الساحتين اللبنانية والسورية.
5ـ اما الاشارة الاهم التي يمكن ان تستفز المملكة السعودية هي الطريق التي سلكها العائدون من الاسر اي الراهبات حيث تم اطلاقهم رسمياً من داخل الاراضي السورية وباشراف السلطات الامنية الرسمية السورية، وفيما تبدو السعودية ماضية في تجميع اوراقها استعدادا لمعركة حاسمة مع النظام في سوريا اطلت قطر من الحديقة الخلفية للمملكة واستطاعت النفاذ بجلدها.
هذا التحرك القطري سوف يواجه بتصلب سعودي وخليجي اشد مما سبق بحيث كان يعتقد اهل الخليج ان قطر يمكن ان تتعظ ولكنها مستمرة في بناء سياسة خاصة بها حتى ولو كانت الكلفة باهظة اكثر.
الديار 11 آذار 2014
إرسال تعليق