ليس من قبيل المبالغة القول بأن زيارة الرئيس أوباما للسعودية، بداية تدشين لربيع «تفاوضي»، بعد أن أثرت رياح العواصف بالمنطقة وضرب «الربيع العربي» بمفهومه الاحتجاجي التقويضي، استقرار الكثير من الدول التي ما زالت تعاني من تبعاته، وطرحت أسئلة جوهرية وجادة حول «العقل الديمقراطي» ذاته، كما طرحت «فضيلة الاستقرار» باعتبارها مطلبا وجوديا وليس كسلوك محافظ مستعص على التغيير كما كان يقال.
لماذا هذه الزيارة استثنائية ومفصلية؟ لأنها تختلف عن سابقاتها التي بدأت منذ عام 1933 حين منحت شركة ستنادار أويل أوف كاليفورنيا (سوكال) امتياز التنقيب، وصولا إلى افتتاح أول مكتب دبلوماسي في واشنطن العاصمة عام 1953 إلى قرار الملك فيصل التاريخي بحظر نفط «الأوبك» عام 1973. وبعدها بعام أنشئت لجنة مشتركة رفيعة المستوى للتعاون الاقتصادي، وتبع ذلك تحولات متعددة، لكنها كانت ذات طابع اقتصادي وتحديدا في مجال الطاقة، التجاذبات الأخرى حول وجهات النظر السياسية كانت أقرب إلى خلاف التنوع في رؤية الأحداث من زاوية مختلفة.
«الربيع العربي» واستراتيجية الولايات المتحدة بتبنٍّ «وليس مجرد الدعم» لمكونات سياسية على رأسها الإسلام السياسي، كان جرس الإنذار الذي دق إشارة البدء للانتقال من اختلاف وجهات النظر إلى رؤى سياسية متضادة كانت رغم اتخاذها طابع «الصمت والهدوء» الذي يطبع طريقة التناول السعودي للأحداث إلى خلاف تضاد يهدد مصالح الأمن القوي السعودي و«فضيلة الاستقرار» التي تعتقد السعودية أنها واحدة من أهم عوامل الجذب في العلاقة مع مكونات الشعب السعودي، المتجاوز لعواصف الربيع بطريقة كانت مفاجئة للخارج وليس الداخل.
في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 كان تصريح الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية عن التحولات التي مست زاوية النظر بين البلدين، حول قضايا راهنة ومصيرية، إيذانا باعتراض المملكة على انكفاء إدارة أوباما عن اتخاذ مواقف صريحة وحازمة حيال الأزمات، وخصوصا ما حل بالشعب السوري ودخول إيران وحلفائها على الخط، وتثوير الحالة السورية من ثورة شعبية إلى صراع نفوذ وتحالف أممي، ولذلك جاء الرد سريعا من جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض، الذي قال بالحرف الواحد: «نحن نسوي خلافاتنا مع السعودية بطريقة صريحة ومباشرة، لصيانة الأسس الرئيسة لعلاقة في غاية الأهمية».
المفارقة في هذه الزيارة السياسية بامتياز ليس حجم الحقائب والملفات التي يحملها أوباما إلى الرياض، لكن حالة التشابه التي يعيشها الحليفان اللذان يوجهان حليفين على النقيض تماما، روسيا التي تذهب بعيدا في استعادة أجواء الحرب الباردة، مسنودة بحالة «العزلة» الأوبامية، وحالة التمدد الإيراني التي لا تخطئها العين وتقلق المنطقة بأسرها، ودول الاعتدال على رأسها بقيادة السعودية، لكن الفارق أن يقظة «الدب الروسي» لا تقلق سوى مصالح وتحالفات الولايات المتحدة، لكن عودة إيران إلى الطموح باتجاه التحول لقوة عظمى في المنطقة، مرهون بتهديد كل التحالفات وحالة الاستقرار والاستقواء بانتصارات «التمدد» في سوريا أو اليمن أو القرن الأفريقي.
في 2009 حين كانت الرياض العاصمة العربية الأولى التي يزورها الرئيس الأميركي باراك أوباما، قبل زيارته القاهرة، التي ألقى فيها خطابه عن ضرورة تعزيز العلاقات مع العالم الإسلامي - لم يكن أحد ليتوقع أن تتدهور شعبية أوباما، وتتذمر الشعوب العربية من انعزال الولايات المتحدة عن أزمات المنطقة، في حين أن ملفات المنطقة الآن أكثر شراسة، ويتصور أن تزداد تعقيدا خلال السنوات المقبلة في حال استقواء الأسد وعودته للسلطة بدعم هائل من روسيا وإيران، وبالتالي انتقال مجموعات المقاتلين إلى مناطق توتر أخرى قد تكون على تماس مع دول الاعتدال، وبالطبع تزداد احتمالية تعرضها إلى تبنٍّ «إيراني» في ظل التحولات التي مرت بها التنظيمات المسلحة، باستبدال العقائدي بالتحالف السياسي والوقوع في شرك لعبة الاستخبارات.
السعودية تملك أوراقا تفاوضية عالية القيمة، ويكفي أن إعادة الاستقرار لمصر والمحافظة على استقرار الحالة البحرينية والقطيعة التشريعية والمجتمعية مع «الإرهاب» يعزز من قدرة الرياض على طرح أولوية «الاستقرار» في مقابل نزعات الانفصال، وتدخل الميليشيات الشيعة في سوريا بمظلة إيرانية، وهي أسئلة صريحة، أو كما قال الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، أخيرا، «العلاقة الحقيقية بين الأصدقاء تبنى على الصدق والصراحة، وليس المجاملة».
لماذا هذه الزيارة استثنائية ومفصلية؟ لأنها تختلف عن سابقاتها التي بدأت منذ عام 1933 حين منحت شركة ستنادار أويل أوف كاليفورنيا (سوكال) امتياز التنقيب، وصولا إلى افتتاح أول مكتب دبلوماسي في واشنطن العاصمة عام 1953 إلى قرار الملك فيصل التاريخي بحظر نفط «الأوبك» عام 1973. وبعدها بعام أنشئت لجنة مشتركة رفيعة المستوى للتعاون الاقتصادي، وتبع ذلك تحولات متعددة، لكنها كانت ذات طابع اقتصادي وتحديدا في مجال الطاقة، التجاذبات الأخرى حول وجهات النظر السياسية كانت أقرب إلى خلاف التنوع في رؤية الأحداث من زاوية مختلفة.
«الربيع العربي» واستراتيجية الولايات المتحدة بتبنٍّ «وليس مجرد الدعم» لمكونات سياسية على رأسها الإسلام السياسي، كان جرس الإنذار الذي دق إشارة البدء للانتقال من اختلاف وجهات النظر إلى رؤى سياسية متضادة كانت رغم اتخاذها طابع «الصمت والهدوء» الذي يطبع طريقة التناول السعودي للأحداث إلى خلاف تضاد يهدد مصالح الأمن القوي السعودي و«فضيلة الاستقرار» التي تعتقد السعودية أنها واحدة من أهم عوامل الجذب في العلاقة مع مكونات الشعب السعودي، المتجاوز لعواصف الربيع بطريقة كانت مفاجئة للخارج وليس الداخل.
في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 كان تصريح الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية عن التحولات التي مست زاوية النظر بين البلدين، حول قضايا راهنة ومصيرية، إيذانا باعتراض المملكة على انكفاء إدارة أوباما عن اتخاذ مواقف صريحة وحازمة حيال الأزمات، وخصوصا ما حل بالشعب السوري ودخول إيران وحلفائها على الخط، وتثوير الحالة السورية من ثورة شعبية إلى صراع نفوذ وتحالف أممي، ولذلك جاء الرد سريعا من جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض، الذي قال بالحرف الواحد: «نحن نسوي خلافاتنا مع السعودية بطريقة صريحة ومباشرة، لصيانة الأسس الرئيسة لعلاقة في غاية الأهمية».
المفارقة في هذه الزيارة السياسية بامتياز ليس حجم الحقائب والملفات التي يحملها أوباما إلى الرياض، لكن حالة التشابه التي يعيشها الحليفان اللذان يوجهان حليفين على النقيض تماما، روسيا التي تذهب بعيدا في استعادة أجواء الحرب الباردة، مسنودة بحالة «العزلة» الأوبامية، وحالة التمدد الإيراني التي لا تخطئها العين وتقلق المنطقة بأسرها، ودول الاعتدال على رأسها بقيادة السعودية، لكن الفارق أن يقظة «الدب الروسي» لا تقلق سوى مصالح وتحالفات الولايات المتحدة، لكن عودة إيران إلى الطموح باتجاه التحول لقوة عظمى في المنطقة، مرهون بتهديد كل التحالفات وحالة الاستقرار والاستقواء بانتصارات «التمدد» في سوريا أو اليمن أو القرن الأفريقي.
في 2009 حين كانت الرياض العاصمة العربية الأولى التي يزورها الرئيس الأميركي باراك أوباما، قبل زيارته القاهرة، التي ألقى فيها خطابه عن ضرورة تعزيز العلاقات مع العالم الإسلامي - لم يكن أحد ليتوقع أن تتدهور شعبية أوباما، وتتذمر الشعوب العربية من انعزال الولايات المتحدة عن أزمات المنطقة، في حين أن ملفات المنطقة الآن أكثر شراسة، ويتصور أن تزداد تعقيدا خلال السنوات المقبلة في حال استقواء الأسد وعودته للسلطة بدعم هائل من روسيا وإيران، وبالتالي انتقال مجموعات المقاتلين إلى مناطق توتر أخرى قد تكون على تماس مع دول الاعتدال، وبالطبع تزداد احتمالية تعرضها إلى تبنٍّ «إيراني» في ظل التحولات التي مرت بها التنظيمات المسلحة، باستبدال العقائدي بالتحالف السياسي والوقوع في شرك لعبة الاستخبارات.
السعودية تملك أوراقا تفاوضية عالية القيمة، ويكفي أن إعادة الاستقرار لمصر والمحافظة على استقرار الحالة البحرينية والقطيعة التشريعية والمجتمعية مع «الإرهاب» يعزز من قدرة الرياض على طرح أولوية «الاستقرار» في مقابل نزعات الانفصال، وتدخل الميليشيات الشيعة في سوريا بمظلة إيرانية، وهي أسئلة صريحة، أو كما قال الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، أخيرا، «العلاقة الحقيقية بين الأصدقاء تبنى على الصدق والصراحة، وليس المجاملة».
يوسف الديني - الشرق الاوسط 26\3\2014
إرسال تعليق