كتبت سابين عويس - ليس في معطيات الحركة السياسية أمس ما يؤشّر لتغيير في المشهد الذي إنتهت اليه لجنة صوغ البيان الوزاري أول من أمس بعد اخفاقها في إنجاز البيان ومبادرة رئيسها رئيس الحكومة تمام سلام إلى تعليق جلساتها ورفع النتيجة إلى مجلس الوزراء لوضع المكونات السياسية جميعها أمام مسؤولياتها.
لا تعليق الجلسات كان مفاجئاً ولا إحالة الخلاف على مجلس الوزراء كذلك، لكن المفاجأة التي لم يتوقعها فريق الثامن من آذار هي تلويح سلام بالاستقالة إذا لم ينجح مجلس الوزراء في التوصل إلى مخرج للمأزق الحكومي، وهو ما عبّر عنه بوضوح رئيس المجلس نبيه بري عندما علم بالموعد المحدد لجلسة مجلس الوزراء عصر الخميس، لكون الجلسة ستعقد عشية إحتفال قوى 14 آذار يوم الجمعة.
منذ دخوله قاعة اجتماع اللجنة الوزارية، بدا سلام حاسماً في خياراته، وقد قالها بوضوح للوزراء أعضاء اللجنة: "لقد صبرت 10 أشهر وتحملت التباينات وحاولت إستيعابها من موقعي التوفيقي من أجل الوصول إلى حكومة وفاقية، وهذا ما يفرضه موقعي ومسؤوليتي، لكنني وجدت بعد 10 إجتماعات لهذه اللجنة أن النقطة الخلافية أعجز من أن تحل، لذلك إذا كان لدى أي من الوزراء أي اقتراح أو صيغة فليتقدم بها لنناقشها وإلا فلنترك الاحتكام في هذا الأمر إلى مجلس الوزراء".
لم يرق كلام سلام وزراء الثامن من آذار، وبدا واضحاً توجسهم من أن يكون قراره رفع الموضوع إلى مجلس الوزراء مقدمة لطرحه على التصويت. وقد جاءت استيضاحات وزير المال علي حسن خليل لتعزز هذا الانطباع. فقد سأل رئيس الحكومة هل سيأخذ البيان الوزاري معه إلى الجلسة أو إن النقاش سيقتصر على ما آلت اليه اجتماعات اللجنة؟
يشعر رئيس الحكومة بضغط المهل التي تلقي بثقلها على ولادة البيان الوزاري. لا يريد أن يخضع لهذا الضغط أو لبازار الجدل الدستوري حول مصير الحكومة بعد إنقضاء مهلة الثلاثين يوماً: هل المهلة للحث أو للإسقاط؟
سيستبق سلام هذا المخاض. سيذهب إلى مجلس الوزراء الذي سيترأسه رئيس الجمهورية ليضع الجميع أمام مسؤولياتهم: تريدون حكومة؟ اتفقوا على بيانها وإلا فالاستقالة هي الحل، وليكن تصريف الأعمال دستورياً ومن خارج الجدل العقيم. لن يترك سلام لوزراء 8 آذار ترف التلويح بالاستقالة إذا طرح البيان الوزاري على التصويت.
والاستقالة بالنسبة الى سلام تعني أمرين: إسقاط مهلة الثلاثين يوماً التي تضغط على الحكومة لإنجاز بيانها بعدما باتت الحكومة على مسافة أيام قليلة من إنقضائها من دون أي ملامح بإمكان تذليل عقدة المقاومة، وثانياً، قطع الطريق على متاهات الجدل حول دستورية الحكومة وصلاحياتها في ظل رأيين نقيضين في تفسير الدستور: أحدهما لـ 8 آذار يعتبر الحكومة مستقيلة بعد إنقضاء مهلة الـ 30 يوماً بما أن المادة 64 في بندها الثاني تنص على أن "على الحكومة ان تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة 30 يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها"، وفي رأي هذا الفريق أن عبارة "على" ملزمة للحكومة. أما الرأي الثاني الذي يمثله فريق 14 آذار فيستند إلى الحالات الحصرية التي حددتها المادة 69 من الدستور لحالات اعتبار الحكومة مستقيلة.
ولكن هل تهويل سلام بالاستقالة جدي أو إنه يدخل في إطار الرد على تهويل رئيس المجلس نبيه بري بلجوئه إلى دعوة رئيس الجمهورية إلى إجراء استشارات لتكليف رئيس جديد تأليف الحكومة بعد اعتبار حكومة سلام مستقيلة إعتباراً من الثلثاء المقبل، اليوم الأول بعد إنتهاء مهلة الثلاثين يوماً؟
إذا كانت الأسباب المشار اليها سابقاً تشكل الدافع الحقيقي لسلام للاستقالة على ما توحي أوساطه، فإن رئيس المجلس يرد على هذه المعادلة بقوله لـ"النهار" إنه لن يلجأ إلى أي خطوة قبل أن تستنفد كل الجهود في الفترة المتبقية من المهلة الفاصلة عن الاثنين المقبل، كاشفاً عن عزمه متابعة المساعي حتى لو إقتضى الأمر عقد جلسات لمجلس الوزراء أيام السبت أو الأحد أو حتى الاثنين. فالدستور يلزم الحكومة أن تتقدم ببيانها في مهلة 30 يوماً، وليس أن تنال الثقة ضمن هذه المهلة.
وأعرب بري عن استعداده لتسلم البيان حتى منتصف ليل الاثنين إذا اقتضى الأمر.
ولكن ألا يخشى أن يقدم رئيس الحكومة على الاستقالة في جلسة الخميس؟ يجيب بري بأنه يعتزم استباق الجلسة المقررة بعد ظهر اليوم بالمبادرة إلى التشاور مع رئيس الجمهورية ومع رئيس الحكومة من أجل إفساح المجال أمام المزيد من الاتصالات والمشاورات، لعلها تنجح في التوصل إلى مخرج. ومعلوم أن بري لا يعتزم بالتشاور مع جنبلاط تقديم صيغتهما المشتركة في جلسة اليوم، مما يعطي مبرراً لعقد جلسة ثانية للمجلس.
في أي حال، يبدو السباق على أشدّه مع ضيق الهامش المتاح أمام حل. وإذا كان الجمود سيد الساحة عشية جلسة مجلس الوزراء، فإن ثمة كلاماً سياسياً إيجابياً، خصوصاً من رئيسي الجمهورية والمجلس قد لا يثمر قبل إنقضاء جلسة اليوم.. ومهرجان 14 آذار.
النهار 13-3-2014
إرسال تعليق