كتب خيرالله خيرالله - ليس مستبعداً أن يكون النظام السوري اعتبر السماح بخروج مدنيين من حمص
المحاصرة انتصاراً له. يعتبر النظام تجويع أهل حمص ومنع دخول المواد
الغذائية الى المدينة “واجباً وطنياً”… ما دام الشعب السوري لا يضمّ سوى
“ارهابيين”.
كان لافتاً أن أكثر من مسؤول في النظام كرّر بعد انعقاد
مؤتمر جنيف-2 ومع بدء الجولة الثانية من جنيف-2 أنّ “لا شريك نتفاوض معه”.
ورد على لسان عضو في الوفد السوري، يخجل المرء من ذكر اسمه، أنّ وفد
المعارضة لم يكن يمثّل أحدا وأن كل عضو فيه كان يمثّل نفسه. ما دام الامر
كذلك، لماذا كانت مشقّة الذهاب الى جنيف والعودة اليها مجدّدا؟ ولماذا كانت
كلمة رئيس وفد النظام وليد المعلّم (في مونترو)، وقد كشفت الكلمة الى أيّ
حدّ يحتقر النظام شعبه ويرفض الاعتراف بالواقع المتمثّل بأنّ السوريين
باتوا يفضّلون الموت على بقاء النظام الذي استعبدهم وأفقرهم وأذلّهم؟
ما
يحصل في حمص المحاصرة حاليا هو عملية تهجير لقسم من سكّان المدينة. انها
عملية تطهير عرقي مبرمجة تجري برعاية الامم المتحدة وبتشجيع روسي. اعتبرت
موسكو أنّ السماح لمدنيين بمغادرة المدينة وحمل النظام على ادخال مساعدات
الى المحاصرين فيها، كان بضغط منها. من الواضح أنها حاولت تسويق هذا الموقف
مع غير جهة، خصوصاً مع “الائتلاف الوطني” الذي استقبلت رئيسه أحمد الجربا
بعيد جنيف-2 وقبل جولة المفاوضات الجديدة التي بدأت أمس.
ركز النظام
السوري منذ بداية الثورة على حمص، ثالث أكبر مدينة سورية. هاله أن تنضم حمص
الى الثورة الشعبية العارمة، فكانت عملية تدمير ممنهجة لاحيائها السنّية،
من بينها بابا عمرو، ثم حصار للمدينة بهدف تجويع أهلها وتركيعهم. دفعت حمص
ثمن ثورتها على الظلم وعلى نظام طائفي عمل منذ فترة طويلة على تغيير طبيعة
التركيبة السكانية للمدينة. دفعت أيضا ثمن موقعها الاستراتيجي وكونها تربط
بين المناطق السورية، خصوصا بين الساحل والداخل، بما في ذلك دمشق.
هل
يمكن أن يبني النظام السوري على “انتصاره”؟ المؤسف أنه لم يفعل ولن يفعل
غير ذلك. الدليل أن الاعلان عن السماح بخروج مدنيين، معظمهم من النساء
والاطفال والعجائز من حمص، ترافق مع إعلان المسؤول التافه نفسه أن النظام
سيشارك في لقاء جديد في جنيف للتفاوض مجددا مع المعارضة، أي مع الممثلين
الحقيقيين للشعب السوري. وقد بدأ هذا اللقاء فعلاً.
لا يمكن للنظام
السوري أن يتغيّر. بالنسبة اليه لا وجود سوى لسياسة واحدة يتّبعها تتمثّل
في الغاء الآخر. ولذلك كان تفجير موكب الرئيس رفيق الحريري، الذي أعاد
لبنان الى خريطة الشرق الاوسط واعاد الحياة الى بيروت، والذي تمرّ هذه
الايام تسع سنوات على رحيله. شكّل هذا الرحيل كارثة على لبنان واللبنانيين
وسوريا والسوريين في آن.
من رافق الوجود السوري في لبنان يعرف أن هذا
النظام لم يتورّع يوما عن قتل كلّ من أعترض على تصرّفاته، أو دعاه الى
التروّي، بدءاً بالزعيم الدرزي كمال جنبلاط وصولاً الى رفيق الحريري ورفاقه
على رأسهم النائب باسل فليحان. مع فارق أنّ مسلسل الجرائم الذي بدأ
بمحاولة اغتيال الوزير مروان حماده قبل أربعة أشهر ونصف شهر من تفجير موكب
الحريري في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005، صار عمليات مشتركة مع من ملأ
الفراغ الناجم عن الانسحاب العسكري السوري من الاراضي اللبنانية. هل من
حاجة الى تسمية الاشياء باسمائها، ما دام كلّ لبناني يعرف من يخفي
المتّهمين باغتيال الرئيس الحريري ورفاقه ويرفض مثولهم أمام المحكمة؟
كانت
سياسة النظام السوري تقوم في الماضي على أن الانتصار على لبنان بديل من
الانتصار على اسرائيل. كان احتلال لبنان بديلا من احتلال اسرائيل للجولان.
من لديه لبنان لا يعود يسأل عن الجولان. لم تعد من ضرورة للجولان. صار
الجولان تجارة لا أكثر ما دام لبنان موجودا وما دام يسمح باطلاق الشعارات
والمزايدات من نوع “المقاومة” و”الممانعة”، وهي شعارات وجد للاسف من
يصدّقها من منطلق مذهبي بحت.
مع اندلاع الثورة السورية، صار مطلوباً
أكثر من اي وقت تأكيد أن النظام لا يمكن أن يتغيّر لأنّ التغيير يعني
زواله. لذلك على النظام أن يلغي شعبه، أكان ذلك بالحصار الذي تتعرّض له
المدن الكبيرة أو بالبراميل المتفجّرة لا فارق…أو عن طريق الاستعانة
بالميليشيات المذهبية الآتية من ايران والعراق ولبنان. المهمّ الغاء الآخر.
الغاء كلّ من ينادي بالحرّية والكرامة وثقافة الحياة ويرفض الطائفية
والمذهبية. المهمّ الآن الغاء الشعب السوري. هل هذا ممكن؟
هل من
انسان لديه ذرة من العقل يتصوّر أن الانتصار على لبنان كان يمكن أن يكون في
يوم من الايّام بديلا من الانتصار على اسرائيل وخطوة على طريق استرجاع
الجولان؟ من يتصوّر ذلك، يستطيع أن يتخيّل الآن أن الانتصار على الشعب
السوري وعلى مدينة صامدة مثل حمص ممكن وأنّه يغني عن الانتصار على اسرائيل…
أكثر
ما يثير الحزن حاليا أنّ النظام السوري لا يمكن الاّ أن يتابع عملية تدمير
سوريا على رؤوس السوريين. كان على حقّ كلّ من قال منذ اليوم الاوّل
لاندلاع الثورة أن هذا النظام غير قابل للاصلاح لأنّ اي خطوة في هذا المجال
تعني أن عليه الرحيل. يبدو أنه لا يريد أن يرحل قبل أن يتأكد من رحيل
سوريا!
المستقبل
إرسال تعليق