0

شمعة جديدة على قبر الشهداء الأبطال ودروس وعبر لكل مناضل 

كتب حليم كرم - لقد سنحت لي الظروف في مونتريال أن أتعرّف على الأستاذ جو حتي عندما كان يكتب مقالاته السيادية في بعض الصحف الإغترابية في مونتريال ومنها العديد من المقالات عبر "جريدة فينيسيا" خصوصا في أحلك الظروف في فترة إعتقال قائد "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع. 
 
ومع أن الظروف السياسية تغيّرت، وتأثير البعث السوري تراجع مع "ثورة الأرز"، ومع إطلاق سراح الدكتور جعجع وعودة الصديق جو حتي الى الوطن، لم ينس زميلنا هذه الفترة الحرجة والعصيبة، فأصدر كتابه الجديد "من الجحود الفلسطيني الى إندحار البعث" وهو صاحب كتب متعلقة بتاريخ المقاومة المسيحية اللبنانية (مثل حارث الأرز،  حافظ المبادئ، سليل المعاناة التاريخية، قمة الإلتزام.. سمير جعجع).

من أسس الكتاب الذي سطّره جو حتي مستشهدا بالمصادر التاريخية تاريخ القضية اللبنانية وتشابكها مع فترة الإحتلالين الفلسطيني والسوري. فمنذ بداية العام 1975 أضحى لبنان مكسر عصا الأطراف الإقليمية والدولية  الذين اتخذوا منها مادة على مائدة مصالحهم وأطماعهم وحصد لبنان الآلام والدمار والإهانة والموت والتهجير حيث يطعن صدره بالحراب السامة مجموعات متلاحقة موجهة من كبار طغاة القرن العشرين على رأسهم النظام البعثي لحافظ الأسد والمحافظ على أسلوب أبيه القمعي الرئيس بشار الأسد، وإرثهما المكيافيلي بامتياز بالاستفادة المستمرة من تطورات الصراع البارد بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي وادعاء تحرير فلسطين دون إطلاق رصاصة واحدة من الأراضي السورية منذ 1973 الى هذا التاريخ، نظام يستغل مجموعات متلاحقة من العناصر الغازية يوجههم ويسيّرهم حسب ميوله وأهوائه، لينكل بهم لاحقا عندما تقتضي مصالحه ذلك وينتهي من إستغلالهم، زد عليها العامل الفلسطيني العسكري الجاحد أصل البلاء الذي استغل ذريعة المقاومة للبطش باللبنانيين وتقسيمهم وحلمه العبثي بتحرير لبنان من أبنائه، يستمد رصيد تأييده المحلي من قسم من اللبنانيين على أساس طائفي. 

ومن العوامل التي ابتلي بها لبنان العامل الإسرائيلي الذي شجع على الفتنة الطائفية وأذكى نارها، وزاد من مفاعيل آلام اللبنانيين باحتلال لبنان حتى العاصمة بيروت، ودوره الفاضح في حرب الجبل ضد المسيحيين. ومن أثقل العوامل على مصير لبنان العامل الإيراني بعد ابتكار بدعة ولاية الفقيه مع ثورة قررت منذ تسلطها على مقاليد السلطة في طهران التدخل العسكري والأمني والمالي المباشر في العالم العربي وفي لبنان عبر أدواته العاملة التي تعطي أولوية في استراتيجيتها على الإنصياع لهذه الولاية، وتخلق معه الظروف الملائمة لحروب جديدة على مدى كل لبنان والعالم العربي، بالدعم المالي والسياسي والإعلامي والتدخل السافر، وما أنتجته كرد فعل طبيعي من خلائط عربية مشكَّلة من مرتزقة ومؤلفة من مختلف الجنسيات المعروفة وغير المعروفة، وكلها تحضير مبرمج لإعلان حرب كونية على أساس مذهبي إسلامي. 

إذن هذا الكتاب الجديد يتحدّث بالتفصيل عن تاريخ القوات اللبنانية والمراحل التي مرت فيها، وعن هيكليتها وعن مرتكزاتها الأساسية: لبنان – المسيحية – التاريخ – المستقبل – الثورة – المقاومة – الإلتزام، ومواجهتها للمخططات السورية والفلسطينية والإسرائيلية. ويتحدّث الأستاذ جو حتي عن الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن لبنان في مرحلة مصيرية له ضمن صراع الوجود الذي يمتد على مدى ألف وأربعماية سنة من النضال المسيحي. ويبيّن جو حتي كيف واجه لبنان أحلام وأوهام سوريا الكبرى وفلسطين البديلة وإسرائيل التوراتية وإيران ولاية الفقيه.

وهو قدّم في كتابه خلاصة لتاريخ المسيحيين التي هي سلسلة من الملاحم البطولية التي لم تتوقف عبر العصور، وهي من طبيعة تكوين وتبلور الشخصية التاريخية للمسيحي المفعم بالقداسة والشجاعة والشجاعة حتى الإستشهاد.

كما يتناول حتي تاريخ القضية الفلسطينية وأثرها السلبي على المسار اللبناني منذ الأربعينات. ومصائب الناصرية في تأجيج الصراعات في لبنان والعالم العربي الى هزيمة العرب عام  1967 وتعاظم شأن الفلسطينيين المسلحين في المخيمات وإقليم العرقوب والحرب الشاملة على لبنان منذ 1975 والمجازر المتلاحقة في البقاع وحرب الأشرفية، معارك الشمال، إستشهاد الرئيس بشير الجميل، حرب الجبل، مرحلة الإتفاق الثلاثي وسقوطه، وإعادة بناء القوات اللبنانية والحروب القاسية وصولا الى إعتقال سمير جعجع بذرائع واهية خطط لها النظام السوري والحكم المتواطئ معه في لبنان. ويبرز الكتاب كيف تمكن اللبنانيون الأحرار وفي طليعتهم القائد الحكيم من زنزانته لأكثر من إحد عشر عاما بمواجهة الاحتلال السوري دون التنازل قيد أنملة عن مبادئه ومسلماته وثوابته، وصولا الى استعادة السيادة من الاحتلال السوري.

الكتاب هو تعبير حقيقي لمبادئ الصديق حتي وهو ما نعرف عنه جيدا ، والذي لا يحيد عنها، أي الإلتزام بالقضية المسيحية والإلتزم بإرث شهداء القضية اللبنانية وقدسية دمائهم والإلتزام بشهدائنا الأحياء والمخطوفين في زنزانات الأسد، دون التخلي عن الموضوعية الأكاديمية باللجوء دائما الى المراجع الموثقة ومطّلع على الكثير منها. 

في النهاية وبعد قراءة هذا الكتاب، توصّلت الى قناعة صميمة ومتأصلة بأهمية تكريم الشهداء، حيث أن هذا الكتاب القيّم شمعة جديدة مضاءة على قبر شهدائنا ودروس وعبر لكل مناضل مسيحي حقيقي، والأمانة للمقاومة اللبنانية الحقة دون الإرتهان للأجندات الخارجية المشبوهة. 

 
يبقى لنا التمني بإتاحة نشر هذا الكتاب في الإنتشار، إذ أن كاتبه قضى فترة مهمة من عمره نضالا في الإغتراب قبل العودة الى الوطن لخدمة القضية، وهو الباحث الذي لا يرضى أن يقف متكتفا أمام محاولات تزوير التاريخ وتشويه الحقائق ويخوض معركته عبر القلم لفضحهم وتضييع الفرصة على كل من يحاول طمس التاريخ الحقيقي للقضية اللبنانية لأغراض آنية لن تنفعه عندما تدق إجراس الحقيقة والحرية.

إرسال تعليق

 
Top