يشكل المقاتلون الأغراب في سوريا واحدة من المشاكل القائمة في
الواقع السوري، بل يمكن القول إنهم أصبحوا واحدا من الموضوعات التي تحتاج
إلى معالجة في إطار معالجة القضية السورية، وهو أمر يتطلب الوقوف عند هذه
الظاهرة ومقاربة تفاصيلها وحيثياتها ومحصلة دورها، وكلها تدفع باتجاه عمل
جدي لإخراج المقاتلين الأغراب من سوريا الذين تزايدت أعدادهم في السنوات
الثلاث من تطورات الصراع الداخلي.
وحسب أكثر التقديرات
شيوعا حول حجم المقاتلين الأغراب في سوريا اليوم، فإن ميليشيات حزب الله
اللبناني وشقيقتها المنتمية إلى لواء أبو الفضل العباس وجماعات أخرى تقاتل
في صف النظام، هي الأكبر والقوة الأكثر حضورا وتسليحا وتذخيرا وتمويلا
وتنظيما في المناطق التابعة لسيطرة النظام، ويزج النظام بهذه الميليشيات في
المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر من أجل إعادة الإمساك بها، وطرد قوات
المعارضة منها على نحو ما حدث في الحرب الأخيرة على القلمون وقبلها على
القصير في حمص ومناطق أخرى.
والقوة الثانية من المقاتلين
الأغراب في سوريا، حاضرة في صفوف جماعات التطرف الإسلامي في المناطق
الخارجة عن سيطرة النظام، وأبرزها جماعتان تنتميان إلى «القاعدة»، أولاهما
تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وجبهة النصرة لبلاد
الشام، وتوصف «داعش» وقريبا منها «النصرة» بأنها الأكثر عددا وتسليحا
وتمويلا وتنظيما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وأغلب عملياتها
العسكرية تتم في تلك المناطق أو في حوافها.
وإذا كان من
المعروف أن مقاتلي ميليشيات حزب الله الذين يبلغون عدة آلاف يأتون من لبنان
ومثلهم مسلحو حركة أمل، فإن الآلاف من مقاتلي لواء أبو الفضل العباس ولواء
ذو الفقار وجيش الإمام المهدي، وفدوا من العراق، إضافة إلى مقاتلين آخرين
يتبعون تنظيمات شيعية، يأتون من بلدان عربية وإسلامية كثيرة بينها اليمن
وأفغانستان، إضافة إلى ميليشيات من جماعات «سياسية» تناصر نظام الأسد في
حربه على السوريين بينهم الحزب القومي السوري الاجتماعي والحزب العربي
الديمقراطي من لبنان وميليشيات الجبهة الشعبية القيادة العامة الفلسطينية
التابعة لأحمد جبريل، وكلها تضاف إلى مقاتلي الحرس الثوري الإيراني، وهي
قوات رسمية إيرانية تقاتل في صف النظام.
وتنوع الوافدين
إلى سوريا من مناصري النظام، يقابله تنوع الذين وفدوا من جماعات التطرف
وأنصار «القاعدة» وأخواتها بحجة الانتصار للشعب السوري ومحاربة النظام، وهي
الحجة التي تخفى خلفها المشروع الظلامي لـ«القاعدة» في إقامة «دولة
إسلامية» والذي كانت له تعبيرات ما زالت تفاعلاتها المدمرة تتواصل في أكثر
من بلد، كما في أفغانستان والعراق.
لقد جاء «متطوعو»
التطرف من أنحاء العالم المختلفة، بينهم أكثر من ألفين قدموا من أوروبا
وحدها، وحسب التقديرات، فإن أضعاف هؤلاء قدموا من بلدان عربية وإسلامية
بينها العراق وبلدان الخليج العربية واليمن وبلدان شمال أفريقيا بما فيها
مصر، كما جاء بعضهم من بلدان إسلامية منها أفغانستان وجوارها ومن الشيشان.
ورغم
أن مجيء «المتطوعين» كان بمبادرة وبمساعدة تنظيمات القاعدة وأخواتها، فإن
أجهزة استخبارية وأمنية دخلت على خط مساعدتهم وتسهيل أمر وصولهم إلى سوريا،
لكن الدور الأهم كان دور العراق وروسيا وإيران، حيث الأولى عملت على تهريب
مئات «القاعديين» المسجونين في السجون العراقية وخاصة من سجن أبو غريب،
بينما جرى انتقال متطرفي الشيشان تحت رعاية المخابرات الروسية، وقامت
المخابرات الإيرانية بتسهيل انتقال عناصر «القاعدة» القادمين من أفغانستان
إلى سوريا عبر العراق.
لقد حمل كل الوافدين الأغراب إلى
سوريا على اختلاف ما يعلنون، أجنداتهم التي لم تكن لها علاقة بأجندة الشعب
السوري وثورته الهادفة إلى دولة ديمقراطية، توفر الحرية والعدالة والمساواة
لكل السوريين، واستخدم هؤلاء السلاح سواء في مؤازرتهم لقوات النظام في
إعادة إحكام قبضته على سوريا والسوريين على نحو ما كانت عليه ميليشيات حزب
الله، أو أنهم سعوا إلى إقامة «دولة إسلامية» على نحو ما يرفعه تنظيم
الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وجبهة النصرة، وفي الحالتين
تقاربت، وغالبا تماثلت، سلوكيات وممارسات الوافدين ضد السوريين. ولم يكن من
الصدفة أن تشكيلات الجيش الحر وضباطه والناشطين السلميين في الإعلام
والحراك الثوري والمدني، كانوا عرضة للقتل والاعتقال والتعذيب والتهجير،
وأن المعالم والمؤسسات السورية كانت عرضة للتدمير والنهب على أيدي عناصر
تلك الميليشيات والجماعات.
إن وجود المقاتلين الأغراب وما
يقومون به في سوريا، يمكن تلخيصه في ثلاث كلمات، هي: قتل ودمار وتطرف.
وكلها تذكي نيران الصراعات في سوريا، وتدفعها للانتشار في المحيط الإقليمي
والدولي، وهذا يجعل مهمة إخراج المقاتلين الأغراب مهمة تتجاوز جهد السوريين
إلى جهد إقليمي ودولي مطلوب، ليس في إطار معالجة القضية السورية وحلها
فحسب، بل أيضا في إطار معالجة ظاهرة الإرهاب التي يكثر المجتمع الدولي
الحديث عنها.
فايز سارة - الشرق الأوسط
إرسال تعليق