كتب بشارة خيرالله - فيما
تمرّ البلاد بـ"مخاضها العسير" الذي على أثر تداعياته ترتسم الملامح
الجديدة لشكل الجمهورية القادم، اختار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الرقص على
أنغام الـ GANGNAM
STYLE و"سيف البوادي" ليقول
لمن يعنيهم الأمر أن الرقص في "ليالي زمان" أفضل منه بكثير في القصير والغوطتين
وحمص وحلب وجبال القلمون. فهنا يرقص جعجع بين أبناء جلده ومعهم، أما هناك، فيرقص
"حزب الله" مع "داعش" والنصرة مقدماً لهم كلّ المبررات الدمويّة
للردّ في المسرح اللبناني، تارةً في الضاحية الجنوبية وتارةً أخرى في بعلبك
والهرمل والشويفات، حيث يأكل الحزب من "حصرم الممانعة"، فيما الأبرياء
من البيئة الحاضنة لهذا الفيلق يضرسون. إنه زمن الـ"ما بين التفجير
والتفجير.. تفجير".
وهل هي من قبيل الصدفة أن يترك جعجع تلك الطائرة البيضاء وهي في حيرة من
أمرها تدور وتدور فوق تلال معراب ووديانها لتلتقط ما تحتاجه من الصور، ويخرج بقميصه البيضاء مسترسلاً
في الرقص ليرسل لمن يعنيهم الأمر، ما أراد تظهيره من صور، ويقول لأهل الظلام أنه
غير عاجز عن ممارسة عاداته اللبنانية والتقاليد، فيما هم، وأغلب الأحيان بالوكالة،
يموتون في حقدهم الضرير غير المبرر.
ففي سهرة جبيل تلك، مجموعة من الرسائل البالغة التعبير، رسائلٌ أراد من
خلالها سمير جعجع أن يقول لجمهوره أولاً "لا تخافوا، ها أنذا معكم وبينكم حيث
لا يجرؤ الآخرون، أفرح وأمرح متحدياً كلّ المخاطر، غير أبهٍ لا بالترغيب ولا
بالترهيب"، ولمرسل الطائرة ثانيةً "إذهب وطائرتك إلى الجحيم"
وللحلفاء والخصوم ثالثةً ورابعة وخامسة، "أنا على عهدي وموقفي باقٍ باق،
وموضوع الحكومة وجولاتها المكوكيّة لا يعنيني ولن يُغريني قبل تأكيد حزب الله ولوّ
استباقاً للبيان الوزاريّ الذي بناءً عليه تنال الحكومة أم لا تنال الثقة، التزامه
بـ (إعلان بعبدا) الذي يُحتِّم عليه الانسحاب من الرقصة السورية".
قد يتوافق المرء أو يختلف مع الحكيم في الموضوع المتعلق بصوابية مقاطعة
الحكومة أم صوابية ربط النزاع من داخلها، أم صوابية تقسيم الأدوار في دخول هذا
ومقاطعة ذاك من قوى 14 آذار، لكن ما لا يجب إنكاره، أو تسخيفه حتى، أن شجاعة هذا
الرجل تتعمد يوماً بعد يوم من خلال الترجمة العملية على أرض الواقع المفعم باللوعة
والمرارة، بالرغم من الأخطار المحدقة وما أكثرها. ففي العام 2005 كان من أول
الواصلين إلى مبنى النهار عشية اغتيال النائب جبران تويني، كذلك في العام 2006 حيث
شارك في تشييع المدير العام الأسبق للأمن العام الراحل زاهي البستاني في دير القمر
بالرغم من كثافة الإغتيالات السياسية وقتذاك وبالرغم من طول المسافة ووجود الوزير
الأسبق جو سركيس الذي كان من الممكن أن يمثله خير تمثيل.
وفي "السابع المجيد" من شهر آيار 2007 تحدى جعجع كلّ الأخطار
لحظة زيارته السراي الحكومي التي تُعتبر بالمنطق الأمني مغامرة غير محسوبة، وفي
مثل هذا اليوم من سنة 2010 أصرّ على إلقاء السلام الأخير على شهيد الطائرة
المنكوبة خليل الخازن، وكذلك فعل في جنازة "الآتي من الغدّ" نسيب لحود.
فور وقوع الإنفجار الرهيب في الأشرفية، كان أول الواصلين حيث تبلّغ فور
نزوله من السيارة أن المستهدف كان اللواء وسام الحسن، وعاد مكرراً المغامرة نفسها من
خلال إصراره مواساة عائلة الوزير محمد شطح في جامع محمد الأمين في بيروت.
إنه سمير جعجع الذي دفع ثمن شجاعته 11 عاماً قضاها وحيداً في أصغر زنزانة
رافضاً "عرض الهروب"، فيما استمتعت باقي قيادات ذاك الزمان، بما لذّ
وطاب من قالب الحلوى السلطوي. إنه سمير جعجع الذي ترغمك شجاعته، سواء أحببته أم
كرهته، أيدته أم اختلفت معه، على احترام سلوكيّاته، أياً كان موقعك السياسيّ. إنه
سمير جعجع الذي قال بالأمس دون أن ينطق: "ليس نصرالله وحده من يجيد شدّ عصب
جمهوره من خلال الظهور المفاجىء في الأماكن العامّة ولا هو وحده من يأكل البوظة في
بيروت (حرب تموز 2006)، أنا أيضاً لي في ميدان الشجاعة، خبرتي الواسعة،
التي تعود
الى ما قبل زمن نصرالله".
كاتب وناشط سياسي - ناشر موقع ليبانون تايم
إرسال تعليق